الجمعة، 26 ديسمبر 2008

الباسبور لخضر

رشيد نيني


أكبر دليل على أن حكومة عباس الفاسي تشكو من عسر حاد في التواصل، هو أن لسان حزب الاستقلال والناطق الرسمي باسم عباس الفاسي، الذي ليس شيئا آخر غير جريدة «العلم»، انعقد أمام إقالة الملك لأحمد الخريف الذي تسلم منصب كاتب الدولة في الخارجية خريف 2007 باسم حزب الاستقلال.
واكتفى لسان حال الحزب الذي يقود الحكومة بنشر مختصر لقصاصة وكالة الأنباء الرسمية اختار لها عنوانا مخففا هو «صاحب الجلالة ينهي مهمة السيد أحمد لخريف»، وكأن الملك استقبل السيد لخريف وبلغه بانتهاء مهامه، ولم يقله كما يعرف الجميع، في سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب.
وبما أن حزب الاستقلال ولسانه المعنيين مباشرة بهذه الإقالة فضلا التزام الصمت، فإن مصادر أخرى نابت عنهما في إعطاء تفسيرات للرأي العام لهذا القرار الملكي المفاجئ، والذي لم يعلم به عباس الفاسي نفسه إلا بعد تعميمه من طرف وكالة الأنباء الرسمية. وهذا طبيعي، فكيف نريد من عباس الذي كان آخر من يعلم بوقوع أحداث سيدي إفني، وكان آخر من يعلم بالزيادة في أسعار المحروقات في حضور الصحافيين ببيته، أن يكون أول من يعلم بإقالة كاتب دولة كان هو من جلبه إلى حكومته.
وحسب البعض فكاتب الدولة السابق في الخارجية كان يستغل زياراته الدبلوماسية الأخيرة لإسبانيا لجمع «كواغط» ملف الجنسية، وأخذ البصمات. وذهبت بعض المصادر إلى أن مصالح الاستخبارات الخارجية ضبطت اتصالات بينه وبين مسؤولين في الحكومة الإسبانية لتسريع ملف حصوله على الجنسية. فيما ذهب آخرون إلى أنه كان حاصلا على الجنسية قبل سنوات، وأن ما أفاض كأسه هو حضوره لإحدى المناسبات العائلية إلى جانب أعضاء من البوليساريو.
ولعل الخطير في ملف الجنسية الإسبانية التي تمنحها الحكومة الإسبانية للمغاربة الذين كانوا يقيمون في منطقة النزاع أيام الاستعمار الإسباني للصحراء المغربية، هي أن إسبانيا تشترط على طالبي الجنسية هؤلاء طبقا لقرار محكمة العدل الدولية المنظم لهذا الإجراء الذي يخص الصحراويين، أن يقروا بأنهم بدون جنسية وأنهم فقط يحملون جواز سفر الدولة التي يقيمون بها.
وهكذا فكل الذين يريدون الحصول على الجنسية الإسبانية في الصحراء بموجب هذا القرار، يجب أن يصرحوا بأنهم بدون جنسية وأن كل ما يتوفرون عليه هو جواز السفر المغربي. وبهذا الشكل نفهم الغضبة الملكية على كاتبه في الخارجية. فالرجل عندما طالب بالجنسية الإسبانية يكون اعترف ضمنيا للحكومة الإسبانية بأنه بالرغم من كونه كاتب دولة في الخارجية المغربية فإنه لا يحمل الجنسية المغربية وإنما فقط جواز السفر المغربي. فهل كان يتصور أن الملك عندما سيصل هذا التقرير بين يديه سيعلق لصاحبه وسام العرش من درجة فارس.
هناك بعض المسؤولين يهينون دستور المملكة دون أن يرف لهم جفن، وفوق ذلك «يدفعون كبير». من بينهم المغاري الصاقل الذي عينه الملك بظهير على وكالة تهيئة نهر أبي رقراق. فالرجل قام غاضبا وانسحب الخميس الماضي من اجتماع بمستشاري مجلس مدينة سلا في إطار الدورة الاستثنائية التي انعقدت للمصادقة على بعض الاتفاقيات بين المجلس ووكالة التهيئة، لمجرد أن بعض المستشارين طالبوا سيادته بالتحدث معهم خلال المناقشة باللغة العربية التي بحروفها كتب ظهير تعيينه، والتي بالمناسبة ينص دستور المملكة على أنها اللغة الرسمية للبلاد. فقال لهم السي الصاقل أنه «ما عندوش مع العربية» فهو «قاري بالفرانساوية»، فقالوا له «أسيدي غير درج معانا إلى ما عندكش مع العربية الفصحى»، فقام غاضبا وتركهم وخرج. والسي الصاقل لديه سوابق في هذا المجال، فخلال رمضان الماضي نزع «الفيستة» على بعض المستشارين في أحد اجتماعاته قبل أن يبرد فيه الدم ويقول بأنه «ترمضن» والساعة لله.
الشيء نفسه قام به الكتاني مدير تظاهرة 1200 سنة من حياة مملكة، عندما غضب وغادر منصة الندوة بعدما طالبه الصحافيون في فاس بالحديث معهم بالعربية. قبل أن يعتذر ويعود إلى المنصة وينطلق لسانه بـ«التدريج».
المشكلة في قضية مطالبة كاتب الدولة الاستقلالي السابق بالجنسية الإسبانية، هي أنه لم ينكث فقط بالقسم الذي تؤديه الحكومة عندما تحظى بثقة الملك، والذي يتعهد فيه الوزراء بالوفاء لدينهم وملكهم ووطنهم والله على ما يقولون شهيد، بل نكث السيد لخريف حتى بقسم حزب الاستقلال ونشيد الحزب الذي يقول :
«مغربنا وطننا روحي فداه، ومن يدس حقوقه يذق رداه، دمي له روحي له وما ملكت في كل آن».
ولنتخيل لحظة واحدة أن كاتب دولة في الخارجية الإسبانية أو الفرنسية وضع طلبا للحصول على الجنسية الأمريكية مثلا، فكيف سيتقبل الرأي العام الفرنسي والإسباني هذه المسألة. فالجنسية ليست فقط جواز سفر، وإنما ولاء كاملا لدستور وقوانين الدولة التي تمنحك جنسيتها.
أما إذا كان طالب الجنسية الأجنبية كاتب دولة في وزارة الخارجية التي تستقر داخلها كل أسرار الدولة الخطيرة، فتلك طامة كبرى.
أحد الوزراء السابقين كان الوحيد الذي أعطى تصريحا صحافيا حول قضية إقالة كاتب الدولة الاستقلالي في الخارجية، وقال بأن وزراء أولين سابقين كانوا يحملون جنسيات أجنبية، منهم مولاي أحمد العراقي، وعبد اللطيف الفيلالي الذي يعيش الآن في باريس. وأضاف أن عددا كبيرا من وزراء حكومة عباس الفاسي يحملون جنسيات دول أجنبية. واعتبر أن حملة الجنسيات الأجنبية في حكومة عباس إما أنهم يكذبون على المغرب أو يكذبون على الدولة التي أعطتهم جوازات سفرها.
أعتقد أن السؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم هو لماذا يلجأ المسؤولون الكبار والوزراء والموظفون السامون وأثرياء البلد إلى طلب جنسيات دول أجنبية مع أنهم يعيشون في المغرب «مفطحين» مع رؤوسهم. الجواب بسيط، «الباسبور لحمر» يبقى بمثابة مخرج النجاة من المغرب لكثيرين منهم. فهؤلاء ليست لديهم الثقة في المغرب، ويتوقعون في كل لحظة أن يجدوا أنفسهم مجبرين على مغادرة السفينة. إن «الباسبور لحمر» هو طوق النجاة بالنسبة إليهم. وفي الفترة الأخيرة شاعت موضة الجنسية الكندية بين كثير من رجال الأعمال والمستثمرين الذين يحملون حوالي 70 ألف دولار ويضعونها في حساب بنكي بكندا ثم يطلبون الجنسية الكندية بوصفهم مستثمرين، ويستمرون في العيش في المغرب بجواز سفر كندي تحسبا للطوارئ.
رحم الله الشيخ اليونسي الذي أنشد في حق جواز السفر المغربي أغنيته المؤثرة «الباسبور لخضر»، خصوصا حين يقول في أحد مقاطعها :
«لو كان الباسبور عندي نديك معايا علاش نخليك
نخدم ونتيا حدايا ننسى همومي ونتونس بيك
قالت لي يا الراجل صنت ليا بغيت نسقسيك
الضفدعة واش قالت نهار اللي لمهم المليك
سقساها سيدنا سليمان وقال يا مرا واشنو بيك
علاش قعدت نتيا والوحوش كلها هربت عليك
قالت لو عز أوطاني خير من بلاد الناس
الدنيا تغدر هذا زاهي و داك قاطع لياس».
هذا ما قالته الضفدعة للملك سيدنا سليمان عندما سألها لماذا قررت البقاء في الوقت الذي هربت فيه كل الوحوش الأخرى من حولها.
فبماذا يمكن أن يجيب كل هؤلاء المسؤولين الذين يضعون «الباسبور لخضر» في جيب و«الباسبور لحمر» في الجيب الآخر عندما يسألهم المغاربة من ماذا أنتم خائفون يا ترى...

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية