الجمعة، 5 ديسمبر 2008

حليمة وعاداتها القديمة

رشيد نيني



لكل وزارة طريقتها الخاصة في التعامل مع ما وقع في الهند من اعتداءات إرهابية مؤخرا. السعدية قريطيف عن وزارة الثقافة طلبت من الحاج يونس أن يحمل عوده ويذهب إلى مومباي للمشاركة في إحياء الأيام الثقافية التي برمجها من قبل السفير الاستقلالي محمد الوافا. أما وزير الداخلية شكيب بنموسى فلم يضيع الوقت في تسوية أوتار «قانونه» واعتقل إلى حدود الآن 12 مواطنا من مدن مختلفة. وخرج لكي يعلن أمام لجنة الداخلية بمجلس المستشارين أن ما وقع في بومباي يدفع إلى المزيد من اليقظة والحذر، لأن المغرب من الدول المستهدفة.
بالنسبة للمغاربة الذين يشاهدون نشرات الأخبار كل يوم، نشرات الأخبار الحقيقية طبعا وليس نشرات أمطار الخير والنماء، فتصريح وزير الداخلية لا يضيف جديدا إلى معارفهم السابقة. فالجميع يعرف أن المغرب مستهدف، كما هي الجزائر مستهدفة وكما هي تونس مستهدفة وكما هي كل دول العالم مستهدفة. فالإرهاب ليس حكرا على دولة دون أخرى في عالم اليوم.
ولذلك فاختطاف بضعة مواطنين للتحقيق معهم ليس الطريقة المثلى لإشعار الرأي العام بأن الداخلية متيقظة وحذرة. فالتيقظ والحذر الحقيقي هو التوفر على خطة أمنية مضبوطة ودائمة لحماية المغرب من الإرهاب، في احترام تام لحقوق الإنسان.
لكن الجديد في كلام وزير الداخلية هو أنه لأول مرة يتحدث عن توخي اليقظة والحذر بعد تفجيرات بومباي مع الإشارة إلى أن هناك في المغرب «أحزاب وجماعات لديها أهداف لا تندرج في إطار الممارسة الديمقراطية». هذا ليس فقط كلاما جديدا بل كلام خطير أيضا. لأنه يعني أننا لدينا في المغرب أحزاب أعطتها وزارة الداخلية التصاريح القانونية لكي تشتغل وتشارك في الانتخابات وتدخل البرلمان والحكومة، مع أنها تعلم مسبقا أن هذه الأحزاب لديها أهداف لا تندرج في إطار الممارسة الديمقراطية. وإذا كان الجميع يعرف المقصود بالجماعات التي لديها أهداف لا تندرج ضمن الممارسة الديمقراطية، فإن الجميع يتساءل ما هي هذه الأحزاب التي يتهمها وزير الداخلية بالعمل لصالح أهداف خارج الممارسة الديمقراطية.
ونظرا لخطورة هذا الاتهام، فإن وزير الداخلية، وحرصا على أمن المغاربة، مطالب بأن يكشف عن لائحة هذه الأحزاب التي لديها أهداف غير ديمقراطية، والتي استغل تفجيرات بومباي وحملة الاعتقالات التي تقوم بها مصالحه هذه الأيام، لكي يتحدث عنها. وإذا كانت فعلا هناك أحزاب على هذه الشاكلة فيجب على وزير الداخلية أن يقول لنا من سمح لها بالوجود، ومن أعطاها تصاريح العمل. أما إذا كان يقصد أحزابا أخرى في بلدان أخرى فهذا شيء آخر.
يحلو لوزير الداخلية أن يصف ما تقوم به مصالح جهاز الاستخبارات التابعة له من اختطافات بالحملة الاستباقية. أي أن الداخلية تسعى إلى سبق الأحداث، وإطفاء الشعلة قبل أن تصل إلى بيت النار. ولذلك اعتقلوا مثلا في تطوان عشرة شبان لمجرد أنهم حضروا تشييع جنازة والد عمر الحدوشي، المحكوم في إطار السلفية الجهادية بثلاثين سنة والذي رخصت له إدارة السجن بحضور جنازة والده. فبالنسبة للمخابرات فكل من حضر عملية دفن والد الحدوشي «فراسو شي حاجة». ولذلك يجب اقتياده إلى مكان مجهول لاستنطاقه ومعرفة السر وراء حضوره إلى المقبرة.
«الخطة الاستباقية» التي تطبقها مصالح الداخلية بهذا الشكل، تصبح أقرب إلى محاكمة النوايا منها إلى أي شيء آخر. وما قامت به مصالح الشرطة بمطار محمد الخامس مؤخرا عندما منعت عشرات من الفتيات المغربيات من السفر، يدخل ضمن محاكمة النوايا هذه. فحسب مصالح شرطة المطار فهؤلاء الفتيات كن يقصدن السفر إلى الخارج لممارسة الدعارة. ولعل مصالح الشرطة تعرف أكثر من غيرها أن الأصل في الاتهام بالفساد ليس الشبهة وإنما حالة التلبس. وفي حالة هؤلاء الفتيات لم تكن هناك أي حالة تلبس يمكن أن تبني عليها الشرطة منعهن من حقهن في السفر. ولكي يكون توقيفهن واعتقالهن قانونيا يجب انتظارهن حتى يشرعن فعلا في ممارسة الدعارة وإيقافهن في حالة تلبس. هذا هو القانون. أما توقيف الناس واعتقالهم على أساس أنهم «قد» يفكرون في القيام بما يخالف القانون، فهذا اسمه «الطنز» على عباد الله.
لا أحد في المغرب سيختلف مع وزارة الداخلية عندما ترفع درجة التأهب واليقظة والحذر تحسبا لعمليات إرهابية، بل الجميع سيصفق وسيطالب شكيب بنموسى بالمزيد من التأهب. لكن على وزارة الداخلية أن لا تعيد أخطاء الماضي القريب، عندما جمع الجنرال العنيكري ثلاثة آلاف معتقل في سجون المملكة بعد تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية. واليوم بعد وصول الدولة معهم إلى الباب المسدود هاهي تحاورهم من أجل إطلاق سراحهم، بعد أن اقتنعت أن منهم المظلومون الذين وقع لهم ما وقع للشباب الذين ذهبوا لحضور جنازة والد الحدوشي في تطوان قبل أمس فانتهوا في «الغباقي»، ومنهم العنيفون فعلا والذين يحملون في أيديهم دماء ضحاياهم ويجب أن ينالوا عقابهم، ومنهم الذين أطلقوا العنان لفتاواهم في الفضائيات في لحظة جنون واقتنعوا أنهم كانوا مخطئين. ومنهم المئات من الذين ضاعوا بين الأرجل، وكانوا ضروريين كحطب لكي يملأ بهم العنيكري، في إطار انخراط المغرب في الحرب على الإرهاب، النصاب القانوني للسجون. حتى أصبح المغرب يظهر أمام العالم بسبب الآلاف الثلاثة من معتقليه كمنجم للإرهابيين، وأصبح الإرهاب صناعة مغربية بامتياز. خصوصا في بلاد كالمغرب تراهن على السياحة وتستثمر كل أموالها في هذا القطاع.
ما هي الرسالة يا ترى التي يود وزير الداخلية إرسالها إلى العالم بقيامه بهذه الحملة مباشرة بعد تفجيرات بومباي. ألم يكن أفضل توخي الحذر في طريقة القيام بهذه الحملة، وانتهاج السبل القانونية وذلك باستدعاء المشتبه فيهم والتحقيق معهم وفق ما تقتضيه القوانين والأعراف. متى سينتهي عهد الاختطافات في المغرب، واعتقال الناس وإعطاء أسمائهم للتشهير بها حتى قبل أن يتهمهم القضاء بأي شيء.
وإلى متى سيستمر المغرب دائما في لعب دور «مول الفز» كلما وقع انفجار ما في عاصمة من عواصم العالم. هل سيبقى الإرهاب وصناعته قدرا مكتوبا على المغرب القبول به والتعايش معه وتحمل تبعات صورته السلبية أمام العالم إلى الأبد.
يكفي من تصوير المغرب كأحد كهوف طورا بورا حيث يختفي الإرهابيون والقتلة وسفاكو الدماء. وبمجرد ما تنفجر عبوة في فندق ما حتى تبدأ «لاراف» عندنا في الدوران على عباد الله في البيوت تحت جنح الظلام.
لا أحد يطلب من الدولة أن تنام على جنب الراحة وتنسى أن هناك إرهابيين يتربصون بأمن المغاربة. لكن المطلوب منها هو التعامل بذكاء مع ما تسميه «اليقظة والحذر». فاليقظة ليست بالضرورة «حسن باللي كاين» حتى نظهر أمام الملك أننا متيقظون. فقد جربنا هذه اليقظة طيلة السنوات الماضية ومع ذلك لم تفلت أحياء مدننا من تفجيرات هنا وهناك. وحتى المتورطون والمشاركون في هذه العمليات أكثرهم ألقى عليهم القبض المواطنون بعد أن طاردوهم في الأسطح والأزقة وسلموهم للأمن.
إن صورة المغرب اليوم أصبحت للأسف الشديد مرتبطة بصناعة الإرهاب والخوف. والأمنيون عندنا لا يزيدون هذه الصورة سوى رسوخ في نظر العالم. وفي الوقت الذي يفكر بعضهم في طي ملف معتقلي السلفية الجهادية، هناك من يفكر في استغلال الإفراغ المحتمل لهذه السجون من أجل ملئها من جديد بمعتقلين آخرين في إطار ملف جديد وتفجيرات جديدة، لم تقع في المغرب هذه المرة.
ولو أن اسم المغرب أصبح مرتبطا فقط بصناعة الإرهاب والخوف لهان الأمر، فالكارثة أن اسمه أصبح مرتبطا كذلك بما يمكن أن نسميه «التدبير المفوض للتعذيب». ولم نكد نطوي فضيحة الطائرات الأمريكية التي كانت تحط في المغرب، ضمن بلدان أخرى، لنقل سجناء الأمريكيين من أجل التحقيق معهم، وصفحة أثيوبي «بنيحيم» الذي حكى في لندن كيف جاء به الأمريكيون من غوانتانامو إلى المغرب وكيف عذبه المغاربة عذابا شديدا في جهازه التناسلي، حتى كشفت منظمة «أمنستي» في تقريرها الأخير عن تورط عناصر أمنية مغربية شاركت في تعذيب واستنطاق معتقلين موريتانيين بمراكز اعتقال موريتانية.
والفظيع في ما رواه تقرير «أمنستي» هو أن المحققين المغاربة كانوا يخيفون الموريتانيين بأجمل بلد في العالم. فقد كانوا يهددونهم بأخذهم معهم إلى المغرب إذا ما رفضوا التوقيع على المحاضر، المكتوبة بالفرنسية من فضلكم.
ولكم أن تتخيلوا كيف يجرؤ جهاز أمني يفترض فيه أن يعطي صورة مشرفة عن بلده، على إخافة الناس من هذا البلد وتصويره على شكل «أقبح» (من القباحة وليس القبح) بلد في العالم. ومن شدة خوف هؤلاء الموريتانيين من فكرة الذهاب مع المحققين إلى «أجمل بلد في العالم»، كانوا يوقعون على المحاضر بمجرد سماع «حس» المغرب، حتى دون قراءتها.
«شفتو على قباحة كي دايرة».

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية