الخميس، 4 ديسمبر 2008

سبحان مبدل الأحوال

رشيد نيني


دعوني أعطيكم اليوم أمثلة على أن الدولة والحكومة عندنا هما أكبر من يعاني من انفصام الشخصية، فهما يناديان بأشياء ويقومان في الواقع بعكسها.
بالأمس الأربعاء ناقشوا في وزارة الأسرة والتضامن الاستراتيجية الوطنية للنهوض بحقوق المعاق بمناسبة يومه العالمي. وقبله بيوم واحد أعطت وزارة الشبيبة والرياضة الدليل الواضح على أنها «تميز» جيدا بين الأسوياء والمعاقين وبين الرجال والنساء. عكس ما تنادي به الحكومة في خطاباتها البراقة التي تتلوها في اليوم العالمي للمرأة واليوم العالمي للمعاق. وفي كل العالم لن تجد دولة أكثر انضباطا من المغرب في احترام الاحتفالات بالأيام العالمية. ومن اليوم العالمي للشجرة إلى اليوم العالمي للخشلاع ستجد المغرب حاضر ناظر، جاهزا للاحتفال مع بقية دول العالم المتقدم. أما عندما تأتي لكي ترى مدى احترام المغرب للتعهدات التي يفرضها التوقيع على كل هذه الاتفاقيات، فعندها يقف حمار الشيخ في العقبة.
وإمعانا في إفهام البطلتين المعاقتين الفائزتين بنحاسيتي بكين للألعاب الموازية، نجاة وليلى الكرعة بأنهما ليستا كلاأخرين، منحتهما وزيرة الشباب والرياضة، العداءة السابقة التي «شدتها جرية وحدة» حتى لمقر الوزارة، شيكا قيمته ستة ملايين سنتيم لكل واحدة منهما. فيما منحت الوزيرة العداءة الأبطال الأسوياء الذين جلبوا للمغرب نفس الميداليات النحاسية شيكا قيمته خمسة وأربعون مليون سنتيم عن كل ميدالية.
وفي الوقت الذي منحت للعداء جواد غريب شيكا بقيمة 75 مليونا مكافأة له على الميدالية الفضية التي أحرز، منحت الوزيرة العداءة سناء بنهمة التي حصلت لوحدها على ثلاث ميداليات ذهبية مكافأة تعادل المكافأة التي منحتها لجواد غريب على مدالية واحدة، أي 75 مليونا.
أما العداء المعاق لمام عبد الإله الذي جلب ميدالية ذهبية للمغرب، فقد منحته الوزيرة مبلغ 25 مليونا، فيما منحت ضعف هذا المبلغ لحسناء بنحسي الفائزة بفضة الأسوياء. ففي عرف الوزيرة العداءة أصبحت ميدالية الفضة التي يحرز عليها الأسوياء توازي ثلاث ميداليات ذهبية يحرز عليها المعاقون. وإذا كانت فضية العداء السوي تساوي 75 مليونا فإن فضية العداء المعاق، يوسف بنبراهيم، لا تعادل غير 12 مليونا ونصف.
وإذا كانت الوزيرة العداءة تجيد «جدول الضرب» فواضح أنها لم تفهم الرسالة الملكية التي تلاها المعتصم في مناظرة الرياضة الأخيرة. وبغض النظر عن كون الوزيرة وعدت المشاركين المغاربة الأسوياء والمعاقين بأن المكافـآت ستكون متساوية فيما بينهم في حالة جلبهم لميداليات للمغرب، مما يعني أنها أخلت بوعدها، فإن الوزيرة، فوق ذلك، أهانت هؤلاء العدائين عندما عاملتهم معاملة تمييزية، فقط لأنهم معاقون.
والواضح أن الوزيرة لم تعاقب هؤلاء الأبطال ذوي الاحتياجات الخاصة فقط لأنهم معاقون، وإنما لأنهم معاقون ولديهم فوق ذلك القدرة على الاحتجاج. فقد قالت لهم الوزيرة غاضبة عندما احتجوا على هزالة المكافآت وعدم تساويها بأنها لم توجه لهم الدعوة أصلا لأنهم «فيهم الصداع»، وإذا كانوا يريدون مكافأة فما عليهم سوى أن يتوجهوا إلى القصر الملكي.
ومتى تقول سعادة الوزيرة هذا الكلام، في اليوم الذي تناقش فيه الحكومة «الاستراتيجية الوطنية للنهوض بحقوق المعاق». فيبدو أن استراتيجية وزارة الشبيبة والرياضة للنهوض بحقوق المعاق تبدأ بإبعادهم عن باب وزارتها وإرسالهم للوقوف أمام أبواب القصر الملكي. وإذا كانت نوال المتوكل تعتقد أن الملك عينها في منصبها لكي ترسل إليه مشاكل وزارتها لكي يحلها مكانها، فلتسمح لنا سعادة الوزيرة أن نقول لها أن الراتب الذي تتقاضاه يساهم في دفعه هؤلاء المعاقون بواسطة الضرائب التي تقتطعها الدولة من أرزاق عائلاتهم. ولذلك فاستقبال هؤلاء الأبطال وإعطاؤهم ما يستحقون من مكافآت ليس صدقة تتكرم بها الوزيرة عليهم، وإنما هو واجب يجب أن تقوم به الوزيرة بدون «فهامات» لأنها تتقاضى عنه راتبا شهريا سمينا مقتطعا من ضرائب المغاربة.
إن المساواة بين الأسوياء والمعاقين ليست ترفا لغويا، أو خطابا منمقا تلقيه الوزيرة في التلفزيون للاستهلاك الإعلامي، وإنما هو حق من حقوق الإنسان تكفله المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية. ولذلك فما قامت به الوزيرة من تمييز بين الأبطال المغاربة بسبب إعاقتهم، يعتبر خطأ حكوميا جسيما لو ارتكبه وزير في دولة تحترم مواطنيها لكان مجبرا على وضع استقالته والاعتذار عن ما ألحقه من إهانة بالمعاقين. خصوصا أن عددهم عندنا يصل إلى ثلاثة ملايين معاق. فهل بمثل هذه السلوكيات التمييزية سنقنع كل هؤلاء الملايين من المعاقين المغاربة برغبة الحكومة في النهوض بحقوقهم. عن أية حقوق تتحدث الحكومة ونحن نرى النخبة الرياضية لهؤلاء المعاقين يعاملون كأنصاف أبطال رغم أن أولمبياد بكين وشحهم بالذهب والفضة والنحاس كأي أبطال حقيقيين. وإذا كان المعاقون الأبطال يعاملون هكذا فكيف سينتظر المعاقون الذين ليسوا أبطالا ولا مشهورين أن يعاملوا كغيرهم من المواطنين الأسوياء.
مصيبة هذه الحكومة أنها تتكلم كثيرا، وأحيانا تطالب الآخرين بأشياء لا تقوم بها حتى هي نفسها. لنأخذ مثال الحوار الاجتماعي الذي تطالب فيه الحكومة القطاع الخاص باحترام الحد الأدنى للأجور. عندما نرى الراتب الشهري الذي تصرفه وزارة الصحة للأطباء الداخليين نشعر فعلا بالخجل من الانتماء للمغرب. تصوروا أن طبيبا درس لمدة ست سنوات في كلية الطب يشتغل في مستشفى إقليمي براتب لا يتعدى ألف درهم في الشهر. طبعا دون أن نتحدث عن حرمان هؤلاء الأطباء الداخليين والمقيمين في المستشفيات من التأمين عن المرض. تخيلوا طبيبا يعالج المرضى وعندما يمرض لا يجد من يعالجه.
أما وزارة التعليم فتوظف معلمين في مدارس إيملشيل مقابل ألف درهم في الشهر، في إطار برنامج تسميه الوزارة «تيسير». وهذا هو التيسير وإلا فلا.
وعوض أن تكتفي نزهة الصقلي وزيرة الأسرة والتضامن بتخصيص برامج لمكافحة التمييز والعنف الرجولي ضد المرأة، عليها أن تلتفت قليلا للعنف الحكومي الذي يمارسه قطاع الوظيفة العمومية ضد المرأة. وربما لا تعرف سعادة الوزيرة أن المرأة الموظفة عندما تموت لا يتلقى زوجها أي تعويض عن وفاتها. عكس ما يحدث مع الرجل الموظف الذي تستفيد زوجته وأبناؤه من بعده. أليس هذا حيفا إداريا في حق المرأة تمارسه الحكومة التي تعطينا الدروس كل يوم في حقوق المرأة.
وليس قانون الإدارة العمومية وحده المجحف في حق المرأة، وإنما حتى القوانين التي وضعتها وزارة الداخلية لتقسيم الأراضي السلالية. والنساء اللواتي يقفن اليوم للاحتجاج أمام البرلمان مطالبات بحقهن في أراضي أجدادهن بالقنيطرة، يستطعن أن يشرحن ذلك لوزيرة الأسرة والتضامن أحسن مني لو تكرمت واستقبلتهم في مكتبها. فالداخلية حسب القانون لا تعترف بالإناث عند تقسيم الأراضي السلالية، بل فقط بالذكور. نعم، في القرن الواحد والعشرين لازالت لدينا قوانين تسهر عليها وزارة الداخلية تحرم البنات من حقهن في الإرث. وفوق كل ذلك يجدون الوجه للحديث عن المغرب الحداثي الديمقراطي.
وفي عز الحديث عن تنظيم العائلة وتربية الأبناء والحفاظ على الأسر من التشتت، نكتشف كيف أن وزيرة الصحة ياسمينة بادو تريد إرسال طبيبة متخصصة لديها طفلان إلى العيون بينما زوجها يشتغل بالدار البيضاء. وتريد أن ترسل أخرى إلى وجدة بينما زوجها في العيون. والأفظع من كل ذلك هي أن تقطع الوزيرة رواتب ثماني وأربعين طبيبة مختصة لهذا الشهر، وتطالبهم بإرجاع «خلاص» الشهر الماضي، على بعد أيام من عيد الأضحى.
وحسب العقد الذي يوقعه الأطباء المتخصصون مع الوزارة فليس من حق الأطباء فتح عياداتهم الخاصة إلا بعد إنهاء ثماني سنوات من العمل لصالح الوزارة. بمعنى أن هؤلاء الطبيبات اللواتي أوقفت الوزارة رواتبهن لن يكون بمستطاعهن العمل مطلقا. وهكذا ستضيع الدولة والشعب في عشرات الطبيبات اللواتي أنفقت على تكوينهن الملايير، في زمن تتحدث فيه الوزيرة عن قلة الأطباء وإمكانية اللجوء إلى استيرادهم من الخارج. كل هذا لأن الوزيرة أقفلت باب الحوار عندما بدأت الطبيبات يتحدثن بالأسماء والأرقام عن الطبيبات المحظوظات اللواتي تم تعيينهن بالقرب من «ماماتهم وباباتهم»، دون أن يمسهن مقلاع الوزارة.
ما يبعث على الأسف حقا هو أن تعيين ثلاث نساء على رأس ثلاث وزارات هي الصحة والشبيبة والرياضة والتضامن والأسرة كان كافيا لبعث الأمل في إمكانية «إحساس» هؤلاء الوزيرات أكثر من غيرهن بمعاناة النساء. لكن يبدو أن الذي وقع هو العكس تماما.
فقد أحيانا الله حتى رأينا كيف تصر وزيرة امرأة جربت الأمومة على التفريق بين المرأة وزوجها وبين الأم وأبنائها بآلاف الكيلومترات دون أن تشعر بالحرج. ورأينا كيف تتعامل عداءة سابقة مع عداءات حاليات باحتقار لمجرد أنهن معاقات، وكيف تغمض وزيرة تقدمية عينيها عن سلخ النساء وإهانتهن وجرح كرامتهن أمام البرلمان وفي سيدي إفني وصفرو وسائر ربوع الوطن.
سبحان مبدل الأحوال.

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية