الخميس، 11 ديسمبر 2008

أدوات النفي

رشيد نيني


من سوء حظ حكومة عباس أن انطلاق احتفالاتها أمس بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تزامن مع صدور تقرير منظمة العفو الدولية الذي يتهم المغرب بتصدير التعذيب إلى موريتانيا.
فالمنظمة العالمية تتحدث في صفحات تقريرها السنوي عن إرسال المخابرات العسكرية والمدنية المغربية لبعض عناصرها لاستنطاق معتقلين موريتانيين، وتسوق شهادات لمعتقلين تعرضوا للتعذيب على أيدي هؤلاء المحققين الذين خيروهم ما بين الاعتراف «حسن ليهم» أو أخذهم معهم إلى المغرب حيث سيذوقون «خيزو ماحلاه».
الغريب في هذا الأمر هو أننا ذات وقت سمعنا حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يتحدث عن محاسن تجربة «الإنصاف والمصالحة» ويقول مفتخرا أن المغرب سيصدر هذه التجربة نحو بعض الدول التي مرت من نفس السنوات السوداء التي مر منها المغرب، فإذا بنا نرى كيف أن المغرب أعرض عن تصدير تجربة الإنصاف والمصالحة وصدر مكانها تجربة «الترعاف والمسالخة». فيبدو أن احتياطه من هذه الصناعة يفوق الطلب المحلي، ولذلك يبحث عن أسواق جديدة لغزوها بهذه البضاعة محلية الصنع والتي لا يستطيع أحد منافسته فيها.
وزير الاتصال، خالد الناصري، الذي يكشف يوما عن آخر عن قواسم مشتركة بينه وبين الصحاف طيب الذكر، سارع كعادته إلى نفي التهمة، وطالب منظمة العفو الدولية بتقديم أدلة تثبت أن المغرب متورط فعلا في تصدير التعذيب إلى موريتانيا.
وعوض أن تسارع الحكومة إلى النفي على لسان وزير الاتصال، فقد كان الأحسن لها أن تسكت. لأن الجهازين اللذين يتهمهما التقرير هما اللذان كان يجب عليهما أن يتكلما. والجميع في المغرب، بما في ذلك عباس الذي يعتبر آخر من يعلم، يعرف أن هذين الجهازين، المخابرات الخارجية والداخلية، اشتغلا دائما بعيدا عن رقابة الحكومة والبرلمان. عكس ما يحدث تماما في كل الدول الديمقراطية.
والمفروض في دولة تحترم نفسها عندما توجه إليها اتهامات خطيرة من هذا العيار، تهدد صورتها في الخارج، هو أن تسارع إلى فتح تحقيق لمعرفة مدى صحة هذه الاتهامات من عدمها، لا أن تسارع إلى تكذيبها ومطالبة الجهة صاحبة الاتهام بتقديم أدلة على صحة ما تدعيه.
وبما أن وزير الاتصال يريد أدلة على أن الدولة المغربية تمارس التعذيب وتصدره، فيمكن أن نعطيه بعضها. ومنها ما هو «باقي فريشك» ولم يتقادم بعد.
ولا بد أن سعادة الوزير التقدمي شاهد مثل جميع المغاربة صورة ذلك السجين العاري المقيد بالأصفاد إلى قضبان زنزانته في سجن عين قادوس. والذي عذبوه وتركوه مربوطا إلى قضبان الزنزانة إلى أن مات قبل أسبوعين.
أو ربما سيكون أحسن لو ذكرنا سعادة الوزير بذلك الشيخ الذي يبلغ ثمانية وثمانين سنة من عمره، والذي حطم رجال التدخل السريع حوضه قبل أسبوع لمجرد أنه خرج أمام بيته يحتج على وضع لاقط هوائي فوق رأسه، أو تلك المرأة التي رمى أحد رجال الأمن أرضا رضيعها الذي لم يتعد عمره ثمانية أشهر وكسر ذراعها عقابا لها على تجرؤها على الاحتجاج. أو ربما يفضل سعادة الوزير أن نذكره بتلك المرأة التي اعتدى عليها رجل أمن وهي تحمل رضيعها فوق ظهرها أمام سجن عكاشة والتي شاهد العالم بأسره صورتها.
فكيف سيخجل من يمارس كل هذا التعذيب ضد الرضع والنساء والشيوخ في الشارع العام وأمام الملأ، من ممارسة التعذيب في المعتقلات المغلقة وفي دهاليز الأقبية المظلمة.
وإذا كان قلب سعادة الوزير «هشيش» ولا يتحمل رؤية منظر الأطفال الرضع والأمهات والشيوخ وهم يتعرضون للتعذيب في الشارع على أيدي قوات الأمن، فيمكن أن نحيله على مئات المعتقلين الذين مروا من معتقل تمارة الرهيب والموزعين على سجون المملكة. فهؤلاء سيشرحون له أفضل منا كيف «سهرت» الأجهزة التي يتهمها تقرير منظمة العفو الليالي الطوال على استنطاق المعتقلين لانتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب، إلى درجة أن كل الأفلام الأمريكية التي صورت في المغرب حول الإرهاب صورت مشاهد حول هذا المعتقل والطرق الرهيبة التي يمارسها المحققون المغاربة أمام المحققين الأمريكيين لاستنطاق المعتقلين من مختلف الجنسيات.
إذا كان سعادة الوزير يريد أدلة على وجود التعذيب في المغرب فإننا مستعدون لكي نقدم له العشرات، بل المئات منها. ولن نقدم له أدلة على التعذيب في الأقبية والمعتقلات السرية، وإنما سنقدم له أمثلة على التعذيب في الهواء الطلق و«بالعلالي». والجميع لا زال ينتظر وعد الوزير بفتح تحقيق في تعذيب مواطن بسيدي إفني في الشارع من طرف عشرة رجال أمن. وإذا نسي وعده فإننا نذكره بأنه وعد بفتح تحقيق في الشريط الذي ظهر في موقع «يوتوب» العالمي وتقديم كل من يثبت خرقه للقانون إلى المحاكمة.
وها نحن اليوم بعد مضي أشهر على أحداث سيدي إفني، نرى كيف أنه حتى التقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق لم يقدم بعد أمام البرلمان فالأحرى أن يقدم المتورطون في تعذيب المواطنين أمام القضاء. الوحيدون الذين قدموا للمحاكمة هم المواطنون الذين خرجوا يحتجون على أوضاعهم المزرية.
ولعل أكبر دليل على وجود التعذيب في المغرب، مع إمكانية تصديره، هو وجود جهاز اسمه قنوات القطب العمومي. وهي القنوات التي يصل أثر تعذيبها إلى المغاربة أينما كانوا.
ورغم أن وزير الاتصال سارع، كعادته، إلى تكذيب نتائج الدراسة التي كشفت أن المغاربة لا يشاهدون قنواتهم العمومية، وأن القول بتخلف النشرات الإخبارية هو ضرب من الجنون، فإن الجميع متفق على أن نشرات أخبار القناتين، بالإضافة إلى بعض برامجهما السياسية والحوارية والترفيهية تصلح كأدوات للتعذيب أكثر مما تصلح كبرامج للتلفزيون. أليس مصطفى العلوي ونصوصه الإنشائية العجيبة حول الأنشطة الملكية في نشرات الأخبار قطعة من العذاب، تجعلك مستعدا للاعتراف بأبشع الجرائم التي لم ترتكبها قط شريطة أن يقفل أحدهم فمه ويسكته.
ما ينتظره المغاربة جميعهم من وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، ليس هو أن ينفي عن التلفزيون غباءه وعن أجهزة المخابرات خرقها لحقوق الإنسان، فهذه الأشياء أصبحت في المغرب كشرح الواضحات لا تحتاج إلى نفي أو تأكيد. بل ما ينتظره المغاربة من الناطق الرسمي باسم الحكومة هو أن يظهر في التلفزيون وينفي الخبر الذي نشرته جريدة «هاريتس» الإسرائيلية والذي «يزف» إلينا خبر وجود ترتيبات رسمية بين المغرب وإسرئيل لإعداد زيارة وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تسيبي ليفني للمغرب بشكل رسمي.
إن هذا الخبر إذا كان صحيحا لهو أكبر إهانة للفلسطينيين المحاصرين اليوم في الأراضي المحتلة، بدون خبز ولا كهرباء ولا دواء. وهذا الخبر إذا كان صحيحا هو بمثابة خنجر في خصر القضية الفلسطينية التي تعيش اليوم أقسى أيامها. نرجو أن تولي وكالة المغرب العربي للأنباء هذا الخبر الأهمية التي يستحقها. على الأقل الأهمية نفسها التي أفردتها لباب المغاربة في الفيتنام بمناسبة زيارة عباس (عباس ديالنا ماشي ديال فتح)، والذي ليس سوى باب عادي بناه الجنود المغاربة الذين ذهبوا للقتال إلى جانب الفرنسيين عندما شدهم الحنين إلى المغرب.
ونحمل إلى علم الوكالة الموقرة أن الباب الحقيقي الذي يجب أن تذكر به العالم بأسره وتجعل المغاربة يفتخرون بأجدادهم الذين بنوه هو باب المغاربة بالقدس. والذي يتعرض اليوم لأبشع عملية تخريب في تاريخه.
إذا كان خبر استعداد وزيرة خارجية الكيان الصهيوني لزيارة المغرب صحيحا، فيجب أن يعلم الذين دعوها والذين سيستقبلونها أن حكومة هذه السيدة هي التي تخرب بابهم بالقدس، وهي التي تجوع إخوانهم بغزة وتضطرهم إلى طحن أعلاف المواشي لكي يأكلوا، وهي التي تأمر بتصفية كوادر المقاومة الفلسطينية الواحد وراء الآخر.
عليهم أن يعرفوا أن يد هذه المرأة، مثلها مثل أيادي كل وزراء الكيان الصهيوني، ملطخة بدماء أطفال فلسطين، ولذلك فإذا حدث وصافحوها فعليهم أن يتذكروا ذلك جيدا.
نتمنى أن يخيب الوزير خالد الناصري ظننا، كما صنع دائما، وأن يكذب هذا الخبر. كما نتمنى أن يكذب أيضا حالة الاستنفار الأمني بالمغرب التي أعلن عنها زميله شكيب بنموسى بعد اعتداءات بومباي الإرهابية. لأن اجتماع الجنرال حسني بنسليمان والجنرال العنيكري ومدير الأمن والوزير الأول ووزراء آخرين، بالإضافة إلى الجنرال القادري المتقاعد الذي أوردت خطأ أنه لا زال في الخدمة، في حفل واحد، يكشف بالملموس أن القوم عندنا «ما باينة عليهم» لا حالة الاستنفار ولا سيدي زكري.

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية