السبت، 13 ديسمبر 2008
« اليوسفية» قلعة الإجرام الحصينة بالرباط
مصطفى الحجري
يتعايش بها عدد كبير من مدمني المخدرات مع تجار الحشيش والقرقوبي و«الكرابة»، وبالتالي فتوفير ثمن المخدر غالبا ما يكون على حساب بعض المواطنين الذين يدفعهم القدر إلى المرور بالقرب من اليوسفية، وفي أحيان كثيرة يتم تنفيذ غارات على أحياء في وسط العاصمة كشارع محمد الخامس أو أكدال، والوسائل لم تعد تقتصر فقط على السيوف التي يشهرها قطاع الطرق كما لو كانت لعبة، بل تطور الأمر إلى توظيف «الماء القاطع» خاصة في حق الفتيات والنساء من أجل إجبارهن على الاستسلام والرضوخ للطلبات الجنسية.
مقر ولاية الأمن بالرباط، الساعة تشير إلى الرابعة بعد الزوال من يوم الخميس الماضي، حركة غير عادية وسط رجال الشرطة القضائية المنهمكين في توفير الظروف الملائمة حتى تمر عملية إعادة تمثيل جريمة قتل شخص في العقد الثالث واغتصابه وهو يحتضر.
الجريمة وقعت ببلدية اليوسفية، أكبر تجمع سكاني بالرباط حوالي (240 ألف نسمة)، والتي تحولت إلى قلعة للإجرام بالعاصمة بعد توالي الحوادث من اختطاف واغتصاب للفتيات، إلى تشويه أجساد المواطنين بالسيوف والماء الحارق.
على متن سيارة الشرطة التي تكفلت بإيصالنا إلى موقع الجريمة، أوامر متتابعة عبر جهاز اللاسلكي وتشديد على ضرورة توفير الدعم من طرف القوات العمومية، فوجود الشرطة «غير مرغوب فيه من طرف عدد من شباب المنطقة»، يقول مسؤول أمني كبير، قبل أن يضيف: «الناس هنا يكرهون المخزن بطريقة غريبة».
التوتر يبدو واضحا على رجال الأمن، بينما تقطع المسافة الفاصلة بين مقر الولاية ومسرح الجريمة القريب من جبل الرايسي سيارات الشرطة، وفي إجراء احترازي كانت حريصة على أن تسلك طرقا مختلفة قبل الالتقاء في وقت ومكان محددين.
بهدوء، تنزل السيارة منحدرا يقود إلى ضفة نهر أبي رقراق، ومن فوق يبدو جبل الرايسي وقد غطي بالكامل ببنايات عشوائية تشبه، إلى حد كبير، تلك المتواجدة بالأحياء المهشمة في أمريكا اللاتينية.
حشود بشرية انتشرت فوق التلال المطلة على مكان الجريمة، وعشرات العناصر التابعة للقوة العمومية تبذل جهدا كبيرا حتى توقف زحف الجمهور العريض الذي جاء لمتابعة القاتل وهو يعيد إنتاج جريمته من جديد.
الهاجس الكبير للمسؤولين الأمنيين هو أن تمر العملية في أقصر وقت ممكن، يقول أحد الضباط: «لا أحد يدري كيف يمكن أن تتطور الأمور هنا، قد نتحول إلى هدف سهل ويتم رجمنا بالحجارة كما حدث عدة مرات».
بعد لحظات، وصلت سيارة شرطة صغيرة حُشر بداخلها خمسة أشخاص، من بينهم القاتل، وهو شاب نحيل في عقده الثاني ارتدى بذلة رياضية وحرص على إخفاء جزء كبير من وجهه، ليمثل بهدوء كيف قام بتوجيه أربع عشرة طعنة بسيف طوله حوالي نصف متر إلى أحد أبناء حيه، قبل أن يقوم باغتصابه وهو يحتضر وسط الدماء.
مباشرة بعد اللقطة الأخيرة تعطى التعليمات لجميع العناصر للانسحاب على الفور، دون إطلاق صفارات الإنذار التي قد تثير بصوتها حفيظة بعض المنحرفين ممن يرون فيها استفزازا في قلب قلعتهم.
بلدية اليوسفية كانت في السابق غير معروفة لدى الكثيرين حتى من سكان الرباط، قبل أن تتمكن خلال ظرف وجيز من فرض نفسها بقوة على خارطة العاصمة، بعد أن سجلت أعلى نسبة سكانية في المغرب وأيضا أعلى نسبة في الإجرام.
«بيزنطة»، «المعاضيد»، «دوار الدوم»، «دوار الحاجة»، «جبل الرايسي».. أحياء صارت شبه محظورة على الغرباء ومن يدخلها سيكون عليه أن يتحمل النتائج، فالعصابات لها عيون بإمكانها رصد أي غريب يفد على المكان.
شكل المنطقة وسمعتها تغيرا كثيرا فبعد أن كانت تضم بعض المنازل وعشرات البراريك القصديرية قبل عقدين من الزمن، اختفت البراريك لينمو الطوب بشكل سرطاني مفرزا بنايات عشوائية من أربعة طوابق لا يفصل بينها سوى متر واحد.
المباني تم تشييدها فوق منحدر ترابي معرض للانجراف في أية لحظة لتتحول إلى قبلة لمن يبحث عن سكن رخيص في قلب العاصمة ممن هجروا البوادي بحثا عن حياة أفضل، إضافة إلى مئات الأفارقة الذين يتخذون من المنطقة محطة مؤقتة في انتظار الرحيل نحو أوربا.
«المسؤولون في السلطة وفي المجالس البلدية، الذين سمحوا بخلق هذا الغول السكاني البشع، يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية، بعد أن حشروا الآلاف من الفقراء في منطقة مهمشة إما لتكديس الأموال بالتغاضي عن البناء العشوائي أو لاستغلال الناس في الانتخابات»، يقول ضابط كبير في الشرطة قبل أن يضيف: «الأمن له مفهوم واسع لا يجب اختزاله في زي نظامي ومسدس وأصفاد».
باليوسفية يتعايش عدد كبير من مدمني المخدرات مع تجار الحشيش والقرقوبي و«الكرابة»، وبالتالي فتوفير ثمن المخدر غالبا ما يكون على حساب بعض المواطنين الذين يدفعهم القدر إلى المرور بالقرب من اليوسفية، وفي أحيان كثيرة يتم تنفيذ غارات على أحياء في وسط العاصمة كشارع محمد الخامس أو أكدال، والوسائل لم تعد تقتصر فقط على السيوف التي يشهرها قطاع الطرق كما لو كانت لعبة، بل تطور الأمر لتوظيف «الماء القاطع» خاصة في حق الفتيات والنساء من أجل إجبارهن على الاستسلام والرضوخ للطلبات الجنسية.
مصالح الأمن، ورغم الحملات التي تنفذها في كل مرة من أجل اعتقال العناصر الإجرامية التي غالبا ما تبايع زعيما يقوم بتوجيهها وضبط مناطق نفوذه، تبقى عاجزة عن السيطرة على بلدية في حجم مدينة، تتوفر فيها كل الظروف لتفريخ الإجرام.
عشرات الشكايات تتقاطر يوميا على مصالح الأمن بالعاصمة، معظمها متعلق بالسطو أو التعرض لجروح خطيرة بالسلاح الأبيض، وغالبا ما يكون لكل مجرم طريقته الخاصة التي تسهل على الأمن التعرف عليه، لكن إيقافه يحتاج، في كثير من الأحيان، إلى وحدات متخصصة نتيجة المقاومة الشرسة والعنيفة للمطلوبين الذين لا يترددون في استعمال سيوفهم.
كما أن رجال الأمن يجدون صعوبة كبيرة في اقتحام الحي بالنظر إلى ضيق الأزقة التي تسمح أحيانا بمرور شخص واحد فقط، إضافة إلى التحالف الذي تعقده العناصر الإجرامية في ما بينها في حالة إغارة الشرطة على المكان، فهي تعتبر أن الأمن عدو مشترك.
في أحد الأزقة يجلس شابان، يضع أحدهما قنينة خمر رخيص على الأرض، فيما يتكفل صديقه بإعداد لفافة حشيش قبل أن يمد الأول يده إلى جيبه ويخرج قطعة بلاستيك صفراء بدت بداخلها قطع حشيش كبيرة. «البزناسة» بالنسبة إلى السكان «قوم مسالمون»، فهم يحاولون كسب رزقهم ببيع سلعتهم،عكس عشرات آخرين ممن يحولون السيوف إلى بطائق أوتوماتيكية تقوم بسحب ممتلكات الناس أو أرواحهم.
عدد مهم من الأسر اختارت الرحيل من المنطقة قبل سنوات، بعد أن أصبحت اليوسفية توصف بـ«جهنم»، فيكفي أن تطل من نافذة بعض المنازل التي تؤوي أحيانا أزيد من عشر أسر، لتشاهد كيف تسيطر الجريمة والعنف على الشوارع.
يقول أحد قاطني جبل الرايسي: «معظم السكان فقراء ويحسون بالحكرة والإقصاء، والشباب في حالة بطالة مزمنة، الأمر الذي يدفعهم إما إلى الإدمان أو إلى تصريف غضبهم في أجساد المواطنين، قبل أن يختم بقوله «لقد رأيت كيف قام أحدهم برسم توقيعه على وجه مواطن رغم أنه سلمه ما لديه».
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2008
(136)
-
▼
ديسمبر
(70)
- كلنا مع أهل غزة
- الاحتلال يرفض هدنة بغزة والمقاومة تكثف صواريخها
- إلى كل ذي نخوة، قم لا تكن نذلا!
- مجزرة إسرائيلية في غزة وإدانات شعبية ورسمية عربية
- الباسبور لخضر
- جدل حول أرقام مخيفة عن الإجهاض بالمغرب
- مغاربة يستعدون للاحتفال بـ " نويل "
- الناصري يشجع العازل الطبي
- شباط وزيرا أول
- زنقة الحناجرة مركز الدعارة الشعبية ببني ملال
- قضية مخدرات تكشف عن الفساد في سجن باب النوادر
- يقتل مشغله طمعافي المال بالدار البيضاء
- قناص السجون يعود من سجن بولمهارز بمراكش
- ٪22 من المتعاطيات للدعارة بمرتيل قاصرات
- مغالطات
- بِهَذَا ... سَيَكُونُ المَغْرِبُ أَجْمَلَ بَلَدٍ ف...
- صورة وتعليق
- الاستثناء المغربي
- تفكيك خلية إرهابية يتزعمها «العشابة»
- اِعْتَقِلُوني ولو ليومين
- أكباش الأطلس
- ضرب الرئيس الأمريكي بوش في بغداد
- بوش يعلق مازحًا على حادث قذفه بحذاء في بغداد: قياس...
- الحشيش المغربي يبايع فريق «البارصا»
- الغثاء
- مخازنية لعنيكري يعودون إلى شوارع المدن في حلة جديدة
- تهريب الأموال المغربية نحو الجنوب الإسباني
- بعثات تبشيرية مسيحية تثير قلقا في المغرب وشمال إفر...
- صورة وتعليق
- « اليوسفية» قلعة الإجرام الحصينة بالرباط
- بلعيرج : التقيت مع عناصر كثيرة من المخابرات لكني ل...
- شي فغزة شي غزاو فيه
- ما فائدة أن تبعبع الأكباش وهي تدرك أن الماتش مبيوع؟
- الفرجة الجنسية عند المغاربة من المجلات الجنسية إلى...
- جميلة، أنيقة، طالبة... وعاهرة
- إلقاء القبض على عدة أشخاص ينتمون إلى أوساط إسلامية...
- بلجيكا تلقي القبض على مغربية بتهمة الإرهاب
- أدوات النفي
- أباطرة المخدرات صاروا يبيعون الحشيش مقابل السلاح
- اسم رشيدة داتي على قبور المسلمين المدنسة
- مغربية تحاول الأنتحار!!!
- صورة و تعليق
- الجنرال وكلاس الحمام
- ليلى غفران تتحدث عن مقتل ابنتها هبة
- هجوم سكان عين الشق على مؤسسة الأيتام
- عيد مبارك سعيد وكل عام وأنتم بخير
- اللي شاف شي يكول باع
- هل يمكن لـ" بوزبال " أن يصبح وزيرا أولا أو أن يُعي...
- سباق الظفر بالكبش يحتدم في المغرب
- ممثلة تونسية تتهم ستار أكاديمي بتحريض ابنتها على م...
- المغرب ينفذ خطة النافذة المكسورة لمحاربة الجريمة
- حليمة وعاداتها القديمة
- حملة لإنقاذ المشردين بالدار البيضاء من موجة البرد
- 3 ملايين مغربي يفكرون في الموت عبر الانتحار
- فصل المقال في ما بين الحولي والميكة الكْحلة من اتصال
- الثلوج تعزل مداشر الأطلس المتوسط والسكان يقتاتون ع...
- سبحان مبدل الأحوال
- 1 من بين 3 نساء تتعرض للضرب لإرغامها على ممارسة الجنس
- البركة فالبارابول
- " غسل العار " قتلاً نادر في المغرب وتواري المرتكب ...
- اعتقالات على خلفية تسريب شريط الدعارة للصحافة
- صورة وتعليق
- محاربة الهواتف مجهولة الهوية تهدد مداخيل اتصالات ا...
- هل يوجد ربان في الطائرة
- مغاربة إسبانيا يعودون إلى السكن في «الشقق الباطيرا»
- قلاع الكونت دراكولا المغربي
- عشرة نصائح هامة قبل أن تشتري أضحية العيد
- مغربيات يشتغلن في كازينوهات دمشق
- من نجمة تضيء لــــيالي الخليــــــج إلى فتاة على ك...
- اللي دوا يرعف
-
▼
ديسمبر
(70)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق