الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

غير بالعَـرْبيّة عافاكْ


رفيق الدرب

عندما تتحول الفرنسية إلى مقياس تفاضلي للمواطنة
لعل من بين ما يثير الحنق بهذا الوطن ،أن هناك فصيلة من البشر لا تزال تصر على اتخاذ اللغة الفرنسية مقياساً وحيداً للمستوى الفكري أو الثقافي للفرد ، فإن كنت ممن يتقنون هذه اللغة فأنت في نظرهم مثقف خمس نجوم حتى وإن لم تكن تفقه شيئا بباقي العلوم الأخرى ، أما إن كنت ممن لا يتقنون مضغ حروفها ولا يجيدون لوك اللسان وتمطيط الشفاه لأجل عيونها فحينها أنت حسب مقياسهم لا تصلح لشيء وما غاديش تقدر تمشي بعيد فحياتك المهنية ، و واخا تكون عندك الشهادات العليا غادين يتهموك بتزويرها.
قبل شهر اتصل بي هاتفيا شخص من الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات المعروفة اختصارا بـ لانابيك ، وبعد أن تأكد من هويتي ، أخطرني بضرورة التواجد باليوم الموالي بالوكالة وذلك على إثر طلب كنت تقدمت به إليهم بقصد الاستفادة من إحدى الدورات المهنية التكوينية التي يتم إطلاقها بشهر سبتمبر من كل سنة ، وذلك في إطار البرنامج الوطني المُسمى إدماج - تأهيل - مقاولتي .
في صباح اليوم الموالي قصدت الوكالة بالموعد المحدد ، وبعد انتظار دام ساعة ونصف أطل علينا أحد المسؤولين هناك ، ليعلمنا بأننا سوف نخضع لمقابلات انتقائية قبل أن يتم اختيار المترشحين المقبولين للاستفادة من هذه الدورات.
وحين جاء دوري دخلت بمعية مترشحين آخرين إلى القاعة المخصصة للمقابلة ، كنت أظن أننا سوف نخضع لأسئلة روتينية من قبيل علاش اختاريتي التكوين فهاد الشعبة ؟ آش كتنتاظر منها ؟.. ، واش كتعرف عليها شي حاجة ؟ إلخ إلخ ، و لم أكن أتوقع أبداً أننا سنتحول و في ظرف دقائق معدودة إلى مادة للسخرية تفنن في نسج تفاصيلها و كتابة فصولها مسؤولان سخيفان جدا الأول ينتمي إلى الوكالة والآخر ممثل لمركز التكوين ، ظل حديثهما طيلة الربع ساعة التي قضيناها برفقتهما يرتكز حول الفرنسية :
* اتكلم بلفرانساوية
* كومبوزي شي فخاز عاون راسك
* لفرانسوية يلا ما عندكش را حنا ما نقبلوكش
خاطبت المسؤول بالوكالة بعد أن وصل دوري شوف أنا غادي نهدر بلعربية ، حيث بلعربية غادي نعبر أحسن غادي نعطيك جمل مرتبة ونوصل ليك الفكرة بشكل جيد ، ادا هدرت بلفرنساوية كلامي غادي يكون مفكك.
* المسؤول : انت مجاز ؟..إذن الإجازة ديالك مشكوك فيها ، انا ما كنتخيلش واحد مجاز وما يهدرش بلفرنساوية.
* كان ردي سريعاً : وأنا أيضا ما كنتخيلش شي أونطروتيان ف لافرونس غادي يمكن يكون باللغة العربية وزايدون احنا من القسم التحضيري و هوما كيقريونا غير العربية.
اتهمني ممثل مركز التكوين حينها بسخونية الراس وقال لي هادي ماشي ساحة الجامعة ، يلا عندك شي خلفية ايديولوجية كتحكمك خليها برا ، المستقبل هنا بالمغرب للفرنسية سوا بغيتي ولا كرهتي.
لم تكن المشكلة ابدأ في عدم إتقاني الحديث باللغة الفرنسية ، ولكنها كانت مسألة مبدأ وتحدي مقصود لأولائك الذين يصرون على إهانتنا ونحن على أرض وطننا ويعمدون إلى حرماننا من حقنا في التكوين والشغل والكرامة على أساس تمييز لغوي وكأن كل من لا يتقن فرنسيتهم هو مواطن من الدرجة الثانية ولا ترتقي مواطنته إلى درجة مواطنة أبناء ليسي ديكارت و ليوطي أوحفدة دوغول.
إن ما لا يعرفه هؤولاء المفرنسون الذين ابتلت بهم إداراتنا وابتلى بهم وطننا هو أن كل المواثيق الدولية بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقع عليه المغرب تؤكد على:
حق الإنسان في التعلم بلغته الأم.

الحق في الاعتراف باللغات الأصلية في الدساتير والقوانين.
الحق في العيش دون تمييز بسبب اللغة.
الحق في إقامة وسائل إعلام باللغات الأصلية وإتاحة سبل الوصول إليها.
وإن أوروبا لم تنهض نهضتها العلمية العارمة التي نشهدها إلا إثر تحول التعليم والتدريس من اللغة اللاتينية إلى اللغة القومية.
ومن الثابت تاريخياً وعلمياً أنّ المصادر التي كان أهل العلم يرجعون إليها كانت الكتب والمصنفات باللغة العربية. ومما يذكر، بمرارة ويا للأسف، في هذا الصدد أنّ باراسيلزوس 947هـ/1541م أقدم على حرق كتب اين سينا أمام حشد كبير في أكبر ميدان من ميادين مدينة بازل السويسرية الناطقة باللغة الألمانية. لكنّ باراسيلزوس لم يحرق الكتب العربية، لأنّ أعداداً من الكتب العلمية المرموقة، وآلافاً من المصطلحات، التي يحتاجها أساتذة الجامعات في ألمانيا وسويسرا قد وجدها جاهزة بلغته، و أنه لم يعد بحاجة أوضرورة إلى الكتب العربية. كلا، فإنّ شيئاً من هذا لم يحصل. الواقع أنّ باراسلزوس حرقها لأنه كان مُصراً على أن يُعَلّم العلوم الكونية، والطبية منها بوجه خاص، بلغته(اللغة الألمانية).(1(
وحدنا في المغرب لا زلنا نتداول لغة غير لغتنا ، كل شيء بالفرنسية ، فاتورة الكهرباء والهاتف ،شهادة الإقامة المسلمة من قسم الشرطة ، أسماء المحلات التجارية والمطاعم وكدا مؤسسات الدولة كلها بالفرنسية ، بقي لهم فقط أن يقرؤوا على قبورنا سورة ياسين مترجمةً إلى الفرنسية.
أما أصحاب إعلانات التشغيل فحدث ولا حرج ، يكفي أن تفتح موقع منارة المتخصص في ذلك لتفاجئ أنهم لم يعودوا يطلبون ضمن شروطهم فقط إلماماً متوسطاً أو بسيطا ًباللغة الفرنسية وإنما جميعهم يضعون كشرط أساسي ويؤكدون على ضرورة امتلاك فرنسية عالية الجودة Excellent français و كأننا نوجد على أراضي مستعمرة فرنسية وليس ببلد يتمتع بسيادته ويؤكد دستوره في ديباجته على أن اللغة الرسمية للملكة هي اللغة العربية.
ــــ
(1) - واقع الترجمة والتعريب في الوطن العربي أ.د. عبدالله بن حمد الحميدان كلية اللغات والترجمة، جامعة الملك سعود الرياض، المملكة العربية السعودية ورقة مقدمة إلى الملتقى الدولي للغات والثقافات والترجمة جامعة الجزائر، كلية الآداب واللغات
http://rafiq-adarb.maktoobblog.com/

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية