-أنا بطالي ..نعم قلتها بأعلى صوتي ..صرخت ولأول مرة في حياتي أتمرد على الوضع .. -أنا بطالي ، وما الضير في ذلك ؟ لست العاطل الوحيد في هذا البلد .. وفي هذه المدينة آلاف غيري وقد يكونون أسوا حالا...
لم تعد كلمة البطالة تخيفني .. فقد سقطت الماهية عن الكلمة مع تزايد أعداد المنخرطين..وفي القريب العاجل قد تعتزم الحكومة إدراجها كمهنة رسمية في بطائق التعريف ؟اليوم ، إنه أول يوم من سنة جديدة لا أدري إن كانت بطالتي ستستمر أم لا ؟ وككل عام يمضي وأنا بدون عمل ، بدون مستقبل .. باختصار وأنا بطالي..خمس سنوات مرت الآن.. وكأنها البارحة، إن الوقت يمر بسرعة وأنت بدون عمل ولا أدري حقا إن كان العكس في غير حالتي صحيحا ؟؟ قبل أن تمر الخمس سنوات هذه كنت فرحا إلى درجة الجنون وأنا أتسلم إجازتي في اللغة العربية . ولم أكن لأعلم أن الواقع الذي لونوه لنا هناك في الحرم الملوث أكثر تلوثا من هذا الأخير على أرض الواقع ، بيد أن المقرف في الأمر هو أن الحلم بان أصبح أستاذا في اللغة العربية قد تبدد وخضع لتعديلات بئيسة فتحولت عن طريق التخطيط المسبق إلى بطالي يندب حضه العاثر برفقة بضاعة يتيمة ورأس مال أيتم .. أجوب الشوارع والأزقة كأحمق يدعي عكس ذلك، وفي كثير من الأحايين قد تجتذبه أرضية الشارع ليجلس ويعرض بضاعته عليها.. متعبا... مرهقا .. من كان يتصور أن النهاية ستكون مأساوية إلى هذا الحد ؟ أوقن الآن سر تلك الاستهزاءات القاتلة التي يتمتع بها بعض الأساتذة - جازاهم الله - لم يكن الحلم بأن أصبح هكذا واردا أبدا حتى في أحلك اللحظات، وإلا لم درست وتعبت للحصول على تلك الإجازة ؟ لو كان كل هذا الكد والجهد من اجل لاشيء أو من اجل أن أكون " شمكارا " متجولا لاختصرت الطريق منذ البداية ..وماذا بعد ؟ أبي رحل مند زمن بعيد بعد أن اشبع أمي البئيسة ضربا ركلا وشتما .. لعنها ألف مرة لأنها أنجبتنا ونسيت أن تنجب معنا مصاريف عيشنا.. كثيرا ما أضحكني وكثيرا ما وخزني برجله الصلبة فقط لأنني أدرس ولا أعمل لأساهم في عيشهم .. أمي كانت مصرة على أن أدرس ..درست يا أمي ليثني لم افعل وليتني لم أراك تنظرين إلى في شفقة مريرة وتهمسين إلى ذاتك المشحونة بآلام لا تريد أن تنتهي: - " كون غير شديت كلام باك ومقريتكش " نعم أنت مذنبة .. أبي مذنب ..محمد شكري الذي كان موضوع بحتي لنيل الإجازة مذنب هو الأخر .. الأساتذة الذين لم يرحموني مذنبون، المصنع الذي ينتج البطالة مذنب، أنا مذنب..أنا مذنب لأني درست ..فقط لأني درست ..ولزاما كان علي أن أبيع آخر كتاب أملكه ، لعينة هذه الظروف ، تجبرك على بيع كل شيء وأنت في أحلك اللحظات ..حتى نفسك إن لزم الأمر.. اليوم وعلى "شارع الرباط" وقفت برزمة كتبي التي كنت قد اقتنيتها ذات زمن غابر ، وبثمن أبخس.. بعتها ..ترددت في بيع كتاب " الخبز الحافي " يذكرني بأن أيام البؤس والضنك لا تنتهي حبالها حتى بموت المؤلف.. -سحقا لهذه الظروف اللعينة
شريط لأم كلثوم يديره صاحب المقهى "... ما بأيدينا خلقنا تعساء ..." أعجبني هذا المقطع من الأغنية .. الوهم بان تفند كل مشاكلك وكل ما يحصل بمقطع من أغنية..انه الواقع أليس كذالك ؟ هجست ..بنصف ثمن الكتب أخذت قهوة سوداء قاتمة اللون والطعم وسيجارة من عند بائع السجائر الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره...تبا لهذا العالم البائس .. - تفو على هذا البؤس .. قتلت الفقر في خيالي ألف مرة بعد أن جعلته رجلا قطعت طريقه ذات ليلة مظلمة في " رأس الدرب " وأشبعته ضربا وحين هوى على الأرض مغشيا عليه غرست فيه سلاحا من الأسلحة البيضاء التي تحتفظ بها أمي في المطبخ ، أما زوجته البطالة فقد اغتصبتها واغتصبتها واغتصبتها ... عدد سنوات بطالتي ، مزقتهما عدد كتبي التي بعتها وتركتهما مدرجين بدمائهما ..أيقضني من حلمي البعيد صاحب المقهى يريد أن يذهب، لقد تأخر الوقت، وما عسى عاطل مثلي يفعل..كل أنواع الأعمال الخاصة بأمثالنا جربتها .. لم يعد هنالك مجال للتفكير .. - سأغادر .. قلت في نفسي قليل من الوقت يمر، ليلة مظلمة حالكة دروب خاوية إلا من صفير الرياح، دورية شرطة توقفت عند قدمي.. صعدت دون تفكير أو لامبالاة ، فلم يعد هناك من داع لذالك ، كل شيء قد ضاع إلى الأبد ..دقت الساعة السادسة .. مددت يدي لأخرس المنبه في محاولة يائسة لإتمام واجبي الذي كان على شكل قصة قصيرة .. لعنة الكتابة تطاردني ولعنة الواقع المرير تؤزمني وتؤرق مضجعي .. مزقت الأوراق ..كسرت قلمي ..صرخت بأعلى صوتي : أنا بطالي / أنا بطالي.. - تم عدت إلى النوم ...
لم تعد كلمة البطالة تخيفني .. فقد سقطت الماهية عن الكلمة مع تزايد أعداد المنخرطين..وفي القريب العاجل قد تعتزم الحكومة إدراجها كمهنة رسمية في بطائق التعريف ؟اليوم ، إنه أول يوم من سنة جديدة لا أدري إن كانت بطالتي ستستمر أم لا ؟ وككل عام يمضي وأنا بدون عمل ، بدون مستقبل .. باختصار وأنا بطالي..خمس سنوات مرت الآن.. وكأنها البارحة، إن الوقت يمر بسرعة وأنت بدون عمل ولا أدري حقا إن كان العكس في غير حالتي صحيحا ؟؟ قبل أن تمر الخمس سنوات هذه كنت فرحا إلى درجة الجنون وأنا أتسلم إجازتي في اللغة العربية . ولم أكن لأعلم أن الواقع الذي لونوه لنا هناك في الحرم الملوث أكثر تلوثا من هذا الأخير على أرض الواقع ، بيد أن المقرف في الأمر هو أن الحلم بان أصبح أستاذا في اللغة العربية قد تبدد وخضع لتعديلات بئيسة فتحولت عن طريق التخطيط المسبق إلى بطالي يندب حضه العاثر برفقة بضاعة يتيمة ورأس مال أيتم .. أجوب الشوارع والأزقة كأحمق يدعي عكس ذلك، وفي كثير من الأحايين قد تجتذبه أرضية الشارع ليجلس ويعرض بضاعته عليها.. متعبا... مرهقا .. من كان يتصور أن النهاية ستكون مأساوية إلى هذا الحد ؟ أوقن الآن سر تلك الاستهزاءات القاتلة التي يتمتع بها بعض الأساتذة - جازاهم الله - لم يكن الحلم بأن أصبح هكذا واردا أبدا حتى في أحلك اللحظات، وإلا لم درست وتعبت للحصول على تلك الإجازة ؟ لو كان كل هذا الكد والجهد من اجل لاشيء أو من اجل أن أكون " شمكارا " متجولا لاختصرت الطريق منذ البداية ..وماذا بعد ؟ أبي رحل مند زمن بعيد بعد أن اشبع أمي البئيسة ضربا ركلا وشتما .. لعنها ألف مرة لأنها أنجبتنا ونسيت أن تنجب معنا مصاريف عيشنا.. كثيرا ما أضحكني وكثيرا ما وخزني برجله الصلبة فقط لأنني أدرس ولا أعمل لأساهم في عيشهم .. أمي كانت مصرة على أن أدرس ..درست يا أمي ليثني لم افعل وليتني لم أراك تنظرين إلى في شفقة مريرة وتهمسين إلى ذاتك المشحونة بآلام لا تريد أن تنتهي: - " كون غير شديت كلام باك ومقريتكش " نعم أنت مذنبة .. أبي مذنب ..محمد شكري الذي كان موضوع بحتي لنيل الإجازة مذنب هو الأخر .. الأساتذة الذين لم يرحموني مذنبون، المصنع الذي ينتج البطالة مذنب، أنا مذنب..أنا مذنب لأني درست ..فقط لأني درست ..ولزاما كان علي أن أبيع آخر كتاب أملكه ، لعينة هذه الظروف ، تجبرك على بيع كل شيء وأنت في أحلك اللحظات ..حتى نفسك إن لزم الأمر.. اليوم وعلى "شارع الرباط" وقفت برزمة كتبي التي كنت قد اقتنيتها ذات زمن غابر ، وبثمن أبخس.. بعتها ..ترددت في بيع كتاب " الخبز الحافي " يذكرني بأن أيام البؤس والضنك لا تنتهي حبالها حتى بموت المؤلف.. -سحقا لهذه الظروف اللعينة
شريط لأم كلثوم يديره صاحب المقهى "... ما بأيدينا خلقنا تعساء ..." أعجبني هذا المقطع من الأغنية .. الوهم بان تفند كل مشاكلك وكل ما يحصل بمقطع من أغنية..انه الواقع أليس كذالك ؟ هجست ..بنصف ثمن الكتب أخذت قهوة سوداء قاتمة اللون والطعم وسيجارة من عند بائع السجائر الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره...تبا لهذا العالم البائس .. - تفو على هذا البؤس .. قتلت الفقر في خيالي ألف مرة بعد أن جعلته رجلا قطعت طريقه ذات ليلة مظلمة في " رأس الدرب " وأشبعته ضربا وحين هوى على الأرض مغشيا عليه غرست فيه سلاحا من الأسلحة البيضاء التي تحتفظ بها أمي في المطبخ ، أما زوجته البطالة فقد اغتصبتها واغتصبتها واغتصبتها ... عدد سنوات بطالتي ، مزقتهما عدد كتبي التي بعتها وتركتهما مدرجين بدمائهما ..أيقضني من حلمي البعيد صاحب المقهى يريد أن يذهب، لقد تأخر الوقت، وما عسى عاطل مثلي يفعل..كل أنواع الأعمال الخاصة بأمثالنا جربتها .. لم يعد هنالك مجال للتفكير .. - سأغادر .. قلت في نفسي قليل من الوقت يمر، ليلة مظلمة حالكة دروب خاوية إلا من صفير الرياح، دورية شرطة توقفت عند قدمي.. صعدت دون تفكير أو لامبالاة ، فلم يعد هناك من داع لذالك ، كل شيء قد ضاع إلى الأبد ..دقت الساعة السادسة .. مددت يدي لأخرس المنبه في محاولة يائسة لإتمام واجبي الذي كان على شكل قصة قصيرة .. لعنة الكتابة تطاردني ولعنة الواقع المرير تؤزمني وتؤرق مضجعي .. مزقت الأوراق ..كسرت قلمي ..صرخت بأعلى صوتي : أنا بطالي / أنا بطالي.. - تم عدت إلى النوم ...
ليلى أيت سعيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق