الاثنين، 10 نوفمبر 2008

50 فرنك ضد 600 مليون

عندما يقصم القضاء ظهرك في المغرب لا تتوقع الدعم من المسؤولين الحكوميين عن قطاع الإعلام الذي يحمل حقيبته وزراء الاتصال الناطقون الرسميون باسم الحكومة. وكل ما عليك أن تطلبه من الله هو أن يوفر هؤلاء المسؤولون تصريحاتهم لأنفسهم ويحتفظوا بألسنتهم الطويلة بين أسنانهم.
عندما توجهنا لسعادة الوزير بسؤال حول رأيه في حكم الإعدام الذي صدر بحقنا قال بأنه لا يستطيع التعليق على أحكام القضاء. والظاهر أن سعادة الوزير لا يحسن التعليق وإنما «التعلاق» فقط، خصوصا عندما تصدر وكالة الأنباء الرسمية قصاصة «تسلخ» فيها أحد المشتبه فيهم. وهكذا فالناطق الرسمي باسم الحكومة يقوم مع وكالة الخباشي للأنباء بعمل متكامل، بحيث أن الوكالة «تسلخ» والناطق باسم الحكومة «يعلق».
لكن السيد الناصري، المحامي والشيوعي السابق يا حسرة، لم يستطع أن يصبر أكثر من اللازم، وأكله فمه، ووقع له ما وقع لذلك الرجل الذي استأمنه أحدهم على سر وأعطاه قدرا من المال مقابل أن يحتفظ بالسر لنفسه. وبعد يومين جاءه الرجل عاكفا رأسه بالحامض ورد له نقوده وهو يقول له «ما صبرتش أخويا ضرني راسي، شد فلوسك خليني نمشي نكولها».
ويبدو أن الناصري الذي امتنع عن التعليق عن الحكم الصادر في حقنا عندما اتصلنا به، فك الله عقدة لسانه وشرح صدره «للتعلاق» عن الحكم لصالح وكالة أنباء أجنبية، وقال لها بأن هناك اليوم في المغرب إجماعا على إدانة المساء، وأن الاختلاف البسيط والوحيد الموجود في هذه القضية هو في قيمة التعويض لا غير.
يعني أن سعادة الوزير مع حكم إعدام «المساء»، فقط لديه تحفظ حول طريقة تنفيذ هذا الإعدام. والشرح الأوضح بالعربية «تاعرابت» لما قاله الوزير هو «ماماتش غير خرجو مصارنو».
ونحن نستغرب كيف توصل سعادة وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة إلى أن هناك في المغرب اليوم إجماعا على إدانة «المساء». وأية شركة لاستطلاع الرأي كلفتها الحكومة بإنجاز هذه الدراسة الميدانية لمعرفة موقف المغاربة من هذا الحكم.
نطرح هذا السؤال على سعادة الناطق الرسمي باسم الحكومة لأن ما نلاحظه يوميا، ومنذ النطق بالحكم والشروع في إعدام «المساء» بالحجز على حساباتها البنكية، هو أن هناك إجماعا من طرف المغاربة بكل شرائحهم وتوجهاتهم السياسية والحزبية والنقابية والحقوقية على إدانة الحكم الانتقامي الذي تطبقه العدالة المغربية ضد «المساء». ولم نلاحظ، كما لاحظ سعادة الوزير، أن هناك إجماعا في المغرب على إدانة «المساء».
المؤسف أن وزير الاتصال الوصي على قطاع الإعلام في المغرب يصطف إلى جانب محركي هذه الآلة القضائية الجهنمية ضد الصحافيين. والأكثر إثارة للأسف هو أن يتزامن الحكم بإعدام جريدة المغاربة الأولى مع استعداد وزير الاتصال للاحتفال بالعيد الوطني للإعلام، وتسليم جوائز وزارة الاتصال للصحافيين الفائزين في مسابقتها السنوية.
وبما أن حفل الوزارة في العيد الوطني للإعلام فيه فقرة اسمها «التكريم» خاصة بتكريم وجوه إعلامية مغربية لما قدمته من خدمات جليلة للمشهد الإعلامي، فإننا نقترح على «مول العرس»، أو بالأحرى «مول الباش»، أن يحجز لنا مكانا ضمن هؤلاء المكرمين لهذه السنة. ليس لأننا أنانيون ونعتبر أننا أحق من غيرنا بالتكريم، ولكن لأننا نرى أن القضاء «كرمنا» بتلك الغرامة الثقيلة «تكريمة» لم يكرمها أحد من قبلنا في المغرب منذ الاستقلال وإلى اليوم. ولذلك فإننا نرى أنه إذا كان هناك صحافيون «مكرمون» اليوم في المغرب، فهم صحافيو «المساء». وإذا زادتنا وزارة الاتصال «تكريمة» أخرى إلى جانب «التكريمة» التي تلقيناها من وزارة العدل، فإننا سنكون أحسن من يستحق لقب «مكرمو السنة».
ونحن نقترح على وزارة الاتصال الغارقة هذه الأيام في الإعداد لعرسها السنوي، أن لا تنسى تكريم القاضي العلوي الذي اشتهر بأحكام إعدامه للصحافيين. وأقترح على وزير الاتصال أن يخصص له وحده جائزة خاصة بأحسن قاضي يستطيع إغلاق أية جريدة أو مجلة كيفما كان نوعها في خمسة أيام وبدون أن يرف له جفن، تكون على هيئة مجسم لميزان مختل تنزل إحدى كفتيه إلى الأسفل بينما تصعد الأخرى نحو الأعلى.
فأمثال هؤلاء القضاة يجب أن تحتفي بهم وزارة الاتصال في عيدها السنوي، وأن يحضروا لكي يقاسموا الوزير وأعضاء الحكومة المقاعد الأمامية في مسرح محمد الخامس لكي يتعرفوا على ضحاياهم المقبلين من الصحافيين، ولكي يضحكوا منهم وهم يتسلمون شيك جائزة الصحافة الذي لا يتجاوز قدره ستة ملايين سنتيم.
يا للمفارقة العجيبة، جائزة الصحافة قدرها ستة ملايين سنتيم، وجائزة القضاة الأربعة تصل إلى ستمائة مليون سنتيم.
ولعل المضحك في ما تقوم به الجهات التي «تسهر» على «تكريمنا» هذه الأيام، أنها تعتقد أننا «سنكمد التكريمة» ونسكت. عملا بالحكمة المغربية الشائعة «تكبر وتنساها».
ولا بد أن سعادة وزير الاتصال، الذي يقول بأن هناك في المغرب إجماعا على إدانة «المساء»، يجهل أن الإجماع الحقيقي في المغرب اليوم هو إجماع شعبي على إنقاذ «المساء» بأي وجه كان، حتى تبقى الجريدة حية وتبقى معها عائلات 300 من الذين يشتغلون فيها في منأى عن التشرد.
إن ما يثلج الصدر حقيقة هو هذا الكم الهائل من التعاطف المغربي الصادق الذي تسبب فيه حكم الإعدام الذي صدر في حقنا. لا تكاد تمر ساعة دون أن نتلقى رسائل ومكالمات وزيارات لقراء ومحبين وأصدقاء يحملون دفاتر شيكاتهم مستعدين لإمضاء المبلغ الذي نريد.
لقد نزل ستار شفاف من الدموع أمس أمامي وأنا أسمع جدة في الهاتف تدعو الله أن يحفظنا وتقول أنها مستعدة من أجلنا لبيع أرض صغيرة هي كل ما تملك في هذه الدنيا لكي تساعدنا على دفع الغرامة لهؤلاء القضاة. وبين الجدة التي يقرأ لها حفيدها «المساء» كل يوم والتي تريد أن تساهم بأرضها في استمرار هذه الجريدة، وبين طفل في الخامسة يريد أن يأتي به والده لكي يساهم معنا بدرهم رمزي، هناك الكثيرون اقترحوا تخصيص شهر من رواتبهم لدعمنا في هذه المحنة المالية.
كثيرون اقترحوا علينا فتح رأسمال الشركة لكي يشتروا أسهما بأثمان تشجيعية، وآخرون اقترحوا علينا فتح حساب بنكي لجمع التبرعات لهؤلاء القضاة.
وطبعا نحن نخفض رؤوسنا خجلا من كرم وشهامة ونبل هؤلاء المغاربة الأحرار، ونقول لكل الذين يبحثون عن طريقة ما لمساعدتنا من أجل إزاحة هذا السيف المسلط على رقابنا، أننا نشكر كل من آزرنا بقلبه ولسانه وقلمه في هذه المحنة. ونقول لجميع قرائنا والمتعاطفين معنا أنه تكفينا ثقتكم فينا، فهي الرصيد البنكي الذي لا ينفد، والرأسمال الحقيقي الذي لا يصيبه الكساد.
ولذلك كله لن نفتح أي حساب بنكي لجمع التبرعات، ليس فقط لأن القانون المغربي يمنع ذلك، ولكن لأننا لا نريد أن نثقل كاهل قرائنا بالمزيد من المصاريف الإضافية. فنحن نعرف ونقدر تعطش المغاربة الأحرار للمساهمة في إنقاذ جريدتهم المفضلة، لكننا نعرف أيضا حجم المعاناة اليومية للمغاربة مع قسوة الحياة ومصاريفها الثقيلة.
وحتى نمنح قراءنا ومحبينا والمتعاطفين معنا فرصة المساهمة في إنقاذ «المساء» والوقوف إلى جنبها في هذه المحنة، قررنا أن نرفع سعر الجريدة من درهمين ونصف إلى ثلاثة دراهم، بزيادة خمسين فرنكا في النسخة الواحدة. وطبعا يستطيع الواحد منكم أن يشتري عشر نسخ أو عشرين أو مائة كل يوم، فيقرأ نسخته ويوزع الباقي مجانا.
هكذا ستبرهنون للناطق الرسمي باسم الحكومة وللقضاة الأربعة وقضاة الاستئناف الذين أكدوا الحكم أن المغاربة الأحرار والشرفاء لا يدينون «المساء» كما يتخيل الناصري، وإنما يدينون العدالة المغربية ومعها حكومة عباس العاجزة حتى عن اتخاذ موقف مشرف واحد لصالح الصحافة وحرية التعبير في المغرب.
علموهم كيف تكون «تمغربيت» الحقيقية والتي يتصورون أنهم قتلوها في داخلنا. تحدثوا لأصدقائكم ومعارفكم عن «المساء» وشجعوهم على قراءتها ونشرها. برهنوا لهم أنكم ترفضون وصاية القضاء الفاسد على أحلامكم التي تتطلع إلى مغرب ديمقراطي نكون فيه جميعنا سواسية أمام قضاء مستقل وعادل.
عندما تشترون «المساء» فإنكم تساهمون معنا في البقاء على قيد الحلم، سلاحنا الوحيد في وجه هذا الكابوس المخيف الذي يخيم على ليلنا المغربي الحزين.

رشيد نيني

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية