عبد الله الدامون
من الأكثر تخلفا في المغرب، هل الذين يحكمون أم المحكومون؟ هذا سؤال فلسفي يشبه ذلك السؤال العقيم الذي يقول: ما الذي سبق.. البيضة أم الدجاجة؟
إنه نفس السؤال الذي يجب طرحه في المغرب، ما الذي سبق، هل التخلف أم أسباب التخلف. مثلا، مغاربة كثيرون يتركون الأرصفة ويمشون جنبا إلى جنب مع السيارات حتى تختلط الأرجل مع العجلات. وعندما يزور الأجانب المغرب فإنهم يندهشون كثيرا من ذلك. وفي أحد الأيام كان فرنسي يسوق سيارته في مدينة مغربية وهو يخرج رأسه من النافذة ويصرخ في الناس «لوطروطوار.. لوطروطوار..». ما الذي سبق في هذه الحالة، هل تخلف الناس الذين يتركون الأرصفة ويمشون جنب السيارات، أم المسؤولون الذين سرقوا ميزانية إصلاح الأرصفة وتركوها مليئة بالحفر؟ ذلك الفرنسي الغبي لم يدرك أنه لا توجد في ذلك المكان أرصفة بالمرة.
وفي محطة القطار يتسابق الناس على العربات كأنهم يتسابقون نحو الفردوس. يدفعون بعضهم بعضا ويرمون أمتعتهم ويقفزون فوقها في فوضى مذهلة. ومرة كان سياح إسبان في محطة قطار بالمغرب وعندما رأوا تزاحم الناس بدؤوا بدورهم يجرون ويصرخون ويفعلون كما يفعل المغاربة تماما. لو أن المسؤولين المغاربة حكموا إسبانيا لتحولت إلى بلد من العالم الثالث في خمسة أيام.. ومن دون معلم طبعا.
من المسؤول إذن عن هذه الفوضى، هل الناس الذين يتزاحمون على قطار كبير، أم إدارة القطارات التي لا تضع في التذاكر أرقام المقاعد حتى يذهب كل مسافر مباشرة إلى مقعده من دون تدافع أو تزاحم.
لكن هل تنفع الأرقام وحدها في القضاء على التدافع؟ هذا سؤال يثيره منظر مغاربة يجرون نحو الطائرة في المطار من أجل أن يحظوا بمقعد. إنه مشهد مثير للضحك ولا يحدث في أي مكان آخر من العالم، وعادة ما يتكرر خلال موسم الحج. الناس يجرون نحو الطائرة ويصعدون الأدراج وهم يعتقدون أن الطائرة ستقلع وستتركهم في المطار رغم أن كل تذكرة بها رقم المقعد. لماذا إذن يظل الناس متخلفين رغم وجود رقم المقعد؟
مشهد آخر من التخلف في محطة الحافلات. أمام الحافلة 20 شخصا، الحافلة شبه فارغة لكن الناس يتزاحمون ويتدافعون ويصعدون كلهم ويبقى نصف الحافلة فارغا، من المسؤول عن هذا التخلف؟ لماذا لا يقف الناس في طابور منظم من دون توتر ويصعد الجميع في الوقت المناسب. من المسؤول عن هذا التخلف، هل الناس أم إدارة الحافلات التي لا تخصص حافلات كافية لأناس يظلون ينتظرون لساعات فيخلقون الفوضى.
مشهد آخر من التخلف أمام باب سجن. أناس كثيرون جدا جاؤوا لزيارة ذويهم في السجن في أيام العيد. فجأة يفتح باب السجن فيتدافع الناس مثل سيل ويتضاربون ويتزاحمون، بل وتسيل الدماء، وكثيرون وسط الزحام يصرخون «حنا ما تصلح لينا غير الهراوة.. وافين هو المخزن؟». من المتخلف في هذه الحالة، هل إدارة السجن التي لم تعمل على إدخال الناس بنظام أم الناس الذين تقاتلوا ويطلبون الهراوة ولا يجدونها؟
هذه أمثلة قليلة جدا من حالات كثيرة جدا لمظاهر التخلف في المغرب، وهي التي تؤدي يوميا إلى الارتفاع الكبير في الإصابة بمرض السكري والأمراض المرتبطة بالقلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم.
ما الحل إذن؟ الحل لن يأتي أبدا من الذين يحكمون لأنهم يحبذون استمرار حالة الفوضى والتخلف. يمكن للحل أن يأتي من الناس العاديين. يمكن مثلا خلق يوم وطني للنظام، حيث يتقمص الناس يوما واحدا في العام دور أناس غاية في النظام والانضباط والتحضر، وبعد ذلك يتحول هذا اليوم إلى أسبوع وطني للتقدم.. ثم يصبح شهرا في العام.. وبعد ذلك نكتشف أننا أصبحنا نشبه الأمم المتقدمة. هل هذا ممكن أم مجرد حلم؟ لنجرب. لنعمل على خلق هذا اليوم، لأن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، سنتقدم نحن وسيظل الحاكمون متخلفين، عند ذلك من حقنا أن نطالب الأمم المتحدة بتغييرهم لأنهم لا يسايرون الطموحات التنموية للشعب. ستكون ثورة بيضاء من دون أسلحة ولا سفك دماء.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2008
(136)
-
▼
نوفمبر
(66)
- بِينَاتْهُمْ
- حكاية البيضة والدجاجة.. بطريقة أخرى
- الأرقام الهاتفية مجهولة الهوية تثير مخاوف الأجهزة ...
- شريط من أربع ساعات يكشف تفاصيل شبكة للدعارة ببني ملال
- الوضع الاجتماعي يدفع الفتيات الى ممارسة الدعارة في...
- كم يبلغ راتب الملك محمد السادس؟
- الخطايا السبع
- الكوفية الفلسطينية تدخل عالم الموضة وتثير جدلا في ...
- حملة " حجابي عفتي " المغربية تتخطى الحدود الجغرافية
- ذكريات الدم لا تزال عالقة بين المغاربة والاسبان
- صورة وتعليق
- الممثلون
- مغربية تروي عذابها بين أيدي المتاجرين بالبشر في قبرص
- قصة «الفاسي».. الرجل الثاني في القاعدة الذي قتل في...
- خارطة طريق لمصالحة الأجهزة الأمنية مع القانون
- شبح العنصرية يحاصر مغاربة الخارج
- الغلاء يُحوّل عيد الأضحى لكابوس يقض مضجع الفقراء
- حجابي عفتي
- قفطان بالكبص
- 1500 جندي مغربي يمشطون «قندهار»
- إصدار جديد لـ«قناص السجون»
- حرب مفتوحة بين أرباب المقاهي والسلطات بالمغرب عنوا...
- المغاربة... وموسم الهجرة إلى اليونان
- حملة نسائية ضد 'سلطان التبرج' في المغرب
- استنساخ دعوات العشاء الملكي بعشرة دراهم
- سميرة في الضيعة
- بلجيكا تقطع تعاونها الأمني مع «لادجيد»
- الحركة الأمازيغية... حالة حرب معلنة!
- عيشة قنديشة
- الصمت أكبر محرض على ارتفاع جرائم الاعتداء الجنسي ع...
- أمريكا تطلب من دول الخليج مساعدة بقيمة 290 مليار د...
- هل يوجد أحد في الطائرة؟
- " غوانتاناموات " المغـــــرب!
- سيدات وسيدات
- كيف تمت سرقة المغرب؟
- الحـيـاة الـزوجـيـة دون وثـائـق
- مباراة ضد التاريخ
- إشاعة زواج محمد السادس من امرأة ثانية!
- رونالدو يقضي ليلة ماجنة في فاس ومنع مغربيات من مرا...
- هؤلاء الملكيون أكثر من الملك
- الإسبانيات يتمردن أحسن..
- هيفاء وهبي تفضل بابا نويل على الشيخ نصر الله
- طلب يد أميرة مغربية فأحيل للتحقيق واتهم بالجنون!
- من سيربح المليار ؟
- الكوكايين يعبر فوق الجسر المغربي إلى أوربا
- شبكات الدعارة تخفض سن ولوج المغربيات إلى سوق الرقي...
- ناشط أمازيغي مغربي يتزوج في كنيسة بولونية
- المغرب يقاضي القناة الفرنسية الخامسة
- نداء من أجل الحرية والكرامة
- فصل المقال في ما بين الهريف والتخريف من اتصال
- تقنيات التعذيب بالمغـرب
- مشروع قانون جديد لتجريم التحرش الجنسي في المغرب
- 50 فرنك ضد 600 مليون
- دروس من العالم الحر
- رسالة من حمار مغربي إلى حمار أوباماسعيد الشطبي«سيد...
- بمبلغ لا يتعدى 1300 درهم... طالبات يعشن الحرمان لم...
- رحمة الأب '.. تنقذ ابنته المغربية من الدعارة
- اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
- النشرات الجوية في المغرب تنتصر على نور ومهنّد
- كاريكاتير
- فضائح أخرى بسجن «أبو غريب» بفاسفاس ـ لحسن والنيعام...
- الأمن يقتحم نقابة ابن الصديق «بحثا» عن المعطلين
- الزبدة وثمنها
- :: بيوت كثير من المغاربة لا تصلح لممارسة الشعائر ا...
- حكاية لا تنـــــام
- غير بالعَـرْبيّة عافاكْ
-
▼
نوفمبر
(66)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق