السبت، 22 نوفمبر 2008

عيشة قنديشة

رشيد نيني


عندما قرأت الرسالة التي بعث بها رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، السيد الغزالي، إلى الشيخ مدير القناة الثانية يطلب منه فيها أن يبث بالصوت لا بالصورة فقط منطوق القرار الذي ينصف «المساء»، قلت مع نفسي أن القناة الثانية وقع لها ما يقع لبعض «السواقة المشطرين» الذين يفطرون في السوق مرتين. فهم يتقشفون في الإفطار الأول عندما يأتون إلى السوق قبل طلوع الشمس، وما إن تصل ساعة الضحى حتى يشعرون بالجوع فيفطرون للمرة الثانية. ولهذا قال المغاربة في حق مثل هؤلاء «السواقة» مقولتهم الشهيرة «المشطر كايفطر فالسوق جوج مرات».
وهكذا ستكون القناة الثانية بسبب هذا «التشطار الخاوي» مضطرة مرة ثانية إلى قراءة القرار بالصوت بعد أن صورته في الأول بالسكانير وبثته في نشرتي أخبارها وقطعت له «الزي».
اللهم إذا اعتبرت مديرة الأخبار أن بثها لرسالة الهيئة مصورة بالسكانير في نشرتي أخبارها كاف لرد الاعتبار إلينا، بحيث لا ترى «سميرة» ضرورة لقراءته بالصوت. فهي تفضل أكثر قراءة قرار تعيين زوجها «سمير» سفيرا في بلجيكا بعد أن كان مجرد قنصل في فرنسا.
ويبدو أن الغائب الأكبر عن هذه اللعبة المكشوفة هو مدير القطب العمومي فيصل العرايشي. فهو يتنقل بين باريس وواشنطن تاركا قنواته السبع مثل رؤوس اليتامى يتعلم فيها «الحسانة» كل من هب ودب.
وعوض أن تقدم لنا قنوات الإعلام العمومي المغربي أخبارا تهم المشاهدين الذين يدفعون من جيوبهم ميزانيات تسييرها ورواتب مديريها وسفرياتهم، تفضل قنوات هذا الإعلام تقديم حوارات وروبورتاجات مع «نجوم» لديهم سوابق غير أخلاقية يستضيفهم المغرب في أفخم الفنادق ويقدم لهم بناته وراقصاته.
ولعل ما قام به رونالدو في فندق جنان فاس عندما قدم له مضيفوه «الروج» و«البيرة» و«الأوساك» في العلبة الليلة التابعة للفندق، وإصراره وهو في قمة السكر على إدخال ست فتيات مغربيات إلى غرفته، جدير بأن يجعل كل من فكر في استضافة هذا «النجم» لكي يلعب مباراته الحبية في فاس لجمع الأموال ضد الفقر، يخجل من نفسه.
إن ربط اسم شخص كرونالدو سبق له أن اعترف في مخفر الشرطة بأنه يعاني من مشاكل نفسية عندما اصطحب ثلاثة رجال متحولين جنسيا إلى غرفته في «ريو ديجيانيرو» بالبرازيل بعد أن اعتقد أنهم نساء، بتظاهرة أممية ضد الفقر هدفها جمع المال للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية فيه إهانة لهذه المؤسسة ولهدفها الخيري. إن مبلغ 100 ألف دولار الذي ربحه صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من هذه المباراة لا يستحق كل هذه الإهانة التي تسبب فيها رونالدو للمغرب.
وقد كان أقل شيء يجب فعله مع رونالدو هو توقيفه من طرف الشرطة والتحقيق معه كما صنعت معه شرطة «ساو باولو». لكن يبدو أن «ساو باولو» ليست هي مراكش، مع أن مراكش مشهورة بأكلة «باولو». وعوض أن يشعر بعض مرافقي رونالدو المغاربة بالحرج من مغربيتهم وينتفضوا لشرفهم فالذي وقع هو أن أحد اللاعبين الدوليين المغاربة يا حسرة، تدخل لكي يتوسط لرونالدو وبناته الست لدى حراس أمن الفندق لعل وعسى يسمحون له بإدخال نصف الغنيمة على الأقل. وأمام رفض الحراس السماح للحريم بالصعود مع رونالدو إلى غرفته، بدأ صاحبنا «يتقاشح» مع الحراس، وكأنه يفاوض على قطيع من الماعز. ويتوسل إلى الحراس السماح لرونالدو بالانفراد على الأقل مع واحدة أو اثنتين، عملا بالحكمة المغربية «عضة من الفكرون ولا يمشي فالت»، ولو أن الأمر هنا لا يتعلق بالعض في «الفكارن» وإنما «العضان» في شيء آخر. وأمام رفض الحراس القاطع غضب اللاعب الدولي وعاب على الحراس تساهلهم مع الخليجيين الذين يتركون الفتيات في الفنادق يصعدون إلى غرفهم بالعشرات، في الوقت الذي يحرمون لاعبا دوليا ساهم في جمع الصدقة لفقراء المغرب من الاستمتاع بالمغرب قبل أخذ الطائرة في صباح اليوم الموالي.
اللاعب الدولي محق في ما قال، فإذا لم نكن قادرين في المغرب على تطبيق المساواة في الحقوق فعلى الأقل يجب أن نطبق المساواة في الفساد.
وإذا كانت قنوات العرايشي العمومية قد أفردت لرونالدو سفير النوايا الحسنة وأصدقائه حيزا «محترما» في نشرات أخبارها، ولو أن ما قام به سفير «التناوي» غير الحسنة لم يكن محترما على الإطلاق، فإن «نجما» آخر من ضيوف المغرب في مراكش هذه المرة وليس في فاس، خصصت له القناة الأولى لقاء مطولا للاحتفاء به، في الوقت الذي تنتظر فيه شرطة الولايات المتحدة الأمريكية دخوله إلى أمريكا لاعتقاله بتهمة اغتصاب قاصر.
وهذا «النجم» ليس شخصا آخر غير المخرج البولوني الأصل «رومان بولانسكي»، الذي يبدو أن مهرجان مراكش للسينما «سقط» في حبه، فاستدعاه هذه السنة كضيف بعد أن استدعاه السنة الماضية كرئيس لجنة التحكيم. وكل ما يفلح «بولانسكي» في ترديده هذه الأيام هو أنه يحب مراكش والشعب المغربي، دون أن يفصح عن نوع هذا «الحب» الغامض الذي يكنه لنا. فالذي يرى فيلمه «حرم» يشعر بالصدمة بسبب درجة الاحتقار التي يكنها «بولانسكي» للإنسان العربي المسلم عموما، والذي يصوره فيه ككائن مغرق في الشهوانيات والعنف والهمجية. عكس فيلمه «عازف البيانو» الذي يصور فيه اليهودي كفنان مرهف الإحساس استطاع بموهبته الفنية في عزف البيانو أن يجعل قلب الوحش النازي يرق لحاله ويعفيه من القتل. هذا الفيلم الذي نال عنه «بولانسكي» ثلاث جوائز أوسكار في أمريكا لم يستطع الذهاب لتسلم أي واحدة منها بسبب خوفه من الاعتقال والسجن بتهمة اغتصاب قاصر والتي تلاحقه منذ 1977 وإلى اليوم.
ولا بد أن أعضاء لجنة التحكيم الحالية، وخصوصا الذكور منهم، سيتعلمون من «بولانسكي» جملته الشهيرة حول حبهم لمراكش والشعب المغربي، خصوصا بعد الليلة الماجنة التي نظمها بعض أصحاب الحسنات في مراكش على «هامش» المهرجان واستدعوا إليها الضيوف الأجانب ولجنة التحكيم وبعض «الكومبارس» المغاربة الذين يصلحون لتأثيث المشهد.
وطبعا لم يجد «مالين العرس» من طريقة يقدمون بها ثقافة المغرب لضيوف المهرجان الدولي للسينما سوى ثقافة «هز يا وز»، التي جاء الناصري، الكوميدي وليس الوزير، بنجومها من بعض كباريهات مراكش من صنف الدرجة الثالثة. وقد رأى الجميع صور هؤلاء الراقصات شبه العاريات وهن يصعدن فوق الكراسي والموائد مدليات شعورهن ولحومهن وشحومهن فوق رؤوس السادة أعضاء لجنة التحكيم، الذين كانوا يضربون عليهن الكاس.
فهل هذا هو المغرب الذي نريد تسويق صورته وثقافته أمام العالم. مغرب يأتي إليه رونالدو يجمع الصدقات لفقرائه بالنهار ويسكر وينام مع بناته جماعيا بالليل. ومغرب يستضيف أصحاب السوابق في اغتصاب القاصرات، ويعطيهم الجوائز، ومغرب يختصر ثقافته وتاريخه في هز البطون والأرداف والصدور.
لقد كان قرار المركز السينمائي موفقا عندما اختار فيلم «قنديشة» لمخرجه اليهودي المغربي جيروم كوهين، ابن مدام ستيفان المكلفة السابقة بقصور الحسن الثاني بالدار البيضاء، لكي يمثل المغرب في مسابقة هذه الدورة. ورغم أن الجميع وجد الفيلم ضعيفا «مافيه ما يتهز باللقاط» ولا يليق بتمثيل المغرب، فإنني شخصيا وجدت أن عنوانه يليق بوصف الصورة التي يعطيها المغاربة عن بلدهم وكرامتهم للآخرين. فعلا لقد أصبحت هذه الصورة شبيهة بصورة «عيشة قنديشة»، بمجرد ما تسمع ذكرها حتى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية