الاثنين، 10 نوفمبر 2008
تقنيات التعذيب بالمغـرب
على مدار سنوات، كان التعذيب وسيلة اعتيادية في تحقيقات جهاز الأمن بالمغرب، حيث يقوم هذا الجهاز باستعمال وسائل مختلفة للتعذيب في التحقيق مع عدد من المعتقلين، تقنيات بلغت من الفظاعة حد قتل الكثيرين، وتجنين آخرين، ووضع غيرهم من الناجين في مقابلة دائمة مع شبح الماضي، الذي ظلت كل ذكرياته ألما وقسوة محفورة في الأذهان... قوية الحضور، وشديدة الرعب.
ضحايا التعذيب بالمغرب متعددو المشارب: اتحاديون، ماركسيون، إسلاميون، صحراويون، ومواطنون بدون هوية سياسية محددة خارج انتمائهم إلى هذا الشعب وإلى معاناته وطموحاته. فمآسي التعذيب بالمغرب لم تطو مع صفحات ماضي الجمر والرصاص، التي أسست لتجربة الإنصاف والمصالحة، ولكن فتحت لها صفحات أخرى على واجهة جديدة في إطار الحرب على الإرهاب، التي قادت أجسادا كثيرة إلى أسواط جلادي العهد الجديد.
وتشتمل وسائل التحقيقات، حسب الضحايا، على الضرب العنيف للشخص الخاضع للتحقيق، وكذا الربط وشد الوثاق في وضعيات مؤلمة، وتغطية الرأس بكيس ذي رائحة نتنة وكريهة، وقد تمتد آلة التعذيب لتصل إلى الاعتداء الجنسي، الذي يجعل الكرامة الإنسانية في قبضة جلادين بلغت بهم القسوة حد انتهاك أعراض الناس دون كلل.
شاعت قصص التعذيب في المغرب منذ عقود، كما شاع صيت «الجلادين» وما يفعلونه بالمساجين المعتقلين، إلى أن صاروا مبعث رعب الجيل الجديد، تماما كما كانوا يهيجون باحات الخوف الدفينة في نفوس الجيل القديم. وتمر الأيام وتشاء الصدف أن تنمو زهرة البوح في نفوس ضحايا العهد القديم والجديد على حد سواء، ويتجاوزون دائرة المعاناة الصغيرة إلى دائرة أكبر جعلوا كل أبناء الوطن شهودا عليها، عندما وقفوا فرادى وجماعات يَرْوُن للعالم أنماط مختلفة من التعذيب الذي لقوه في السابق، عبر جلسات استماع حملت من المرارة الشيء الكثير، وعبر اعترافات خاصة تؤرخ لصفحات حالكة من التاريخ الأسود للمغرب الذي لم تنقطع بعد حباله مع الماضي.
مرت فترة ما كان يعرف بسنوات الرصاص، وصار الضحية يلتقي بالجلاد، بعد أن بدلت علاقة التعذيب الطرفين، فلم يعد الضحية بعدها هو نفسه، ولم يعد الجلاد الأسود هو ذاته، فالضحية صار جرحا شاملا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، جرحا كبيرا في قلب الوطن.. نضبت دماؤه، دون أن تنمحي آثاره الغائرة في النفوس، أما الجلاد فأمسى كومة مختلة، يستيقظ مرعوبا من نومه أو يشتم نفسه فجأة أو ينشب أسنانه في ذراعه أو ينهش يد زوجته حتى يدميها، على حد تعبير أحد المعتقلين السابقين، الذي يضيف بأن الجلادين «مرهقون على الرغم من أن الكثيرين منهم لا يزالون متربعين على كراسي واهية».
مرت سنوات الرصاص وحكت شهادات عن مسار حقبة دامية من تاريخ المغرب... شهادات رويت على لسان ضحايا متعددي المشارب، رسمت فظاعة حقبة دامت سنوات، حقبة تفنن «رعاتها» في إذاقة ضحاياها أبشع وأروع أنواع التعذيب الجسماني والنفسي والجنسي، ولم يختلف حظ الرجل والمرأة في هذا الإطار، إذ كان لكل منهما أنماط متساوية من حصص التعذيب المرهقة.
أنماط التعذيب التي مورست في حق عدد من الضحايا، انطلاقا من سنوات السبعينيات، هي أنماط مختلفة، وتنتمي كلها إلى «المدرسة المغربية» التي ابتعدت و«تفننت» في خلق أنماط مختلفة من الإرهاق والإذلال والتحقير، التي مورست في حق «أصحاب الرأي الآخر»، الذين كانوا يغردون خارج سرب قواميس الدولة. وعلى الرغم من كل ذلك، فقد ظلوا يدافعون عن رصيد يعدونه الوسام الأعلى، في حين تقلد آخرون أوسمة لأنهم دافعوا عن قناعة في الاتجاه المعاكس.. الكل يدافع عن رصيد، مقتنعا أنه الأصلح، وكلا الجانبين في النهاية يحتكمان للتاريخ وما بين القضية الوطن والقضية النظام تستمر إجراءات الأحكام.
لم يعرف ضحايا التعذيب كيف يبدؤون... كيف يحورون مجريات أحداث أليمة إلى كلمات معبرة... فالأفكار والأحداث والصور الحية التي عاشوها تتزاحم في أذهانهم مثل كتل ثقيلة، لكنهم بدؤوا من حيث بدأت بدايات تجاربهم القاسية.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2008
(136)
-
▼
نوفمبر
(66)
- بِينَاتْهُمْ
- حكاية البيضة والدجاجة.. بطريقة أخرى
- الأرقام الهاتفية مجهولة الهوية تثير مخاوف الأجهزة ...
- شريط من أربع ساعات يكشف تفاصيل شبكة للدعارة ببني ملال
- الوضع الاجتماعي يدفع الفتيات الى ممارسة الدعارة في...
- كم يبلغ راتب الملك محمد السادس؟
- الخطايا السبع
- الكوفية الفلسطينية تدخل عالم الموضة وتثير جدلا في ...
- حملة " حجابي عفتي " المغربية تتخطى الحدود الجغرافية
- ذكريات الدم لا تزال عالقة بين المغاربة والاسبان
- صورة وتعليق
- الممثلون
- مغربية تروي عذابها بين أيدي المتاجرين بالبشر في قبرص
- قصة «الفاسي».. الرجل الثاني في القاعدة الذي قتل في...
- خارطة طريق لمصالحة الأجهزة الأمنية مع القانون
- شبح العنصرية يحاصر مغاربة الخارج
- الغلاء يُحوّل عيد الأضحى لكابوس يقض مضجع الفقراء
- حجابي عفتي
- قفطان بالكبص
- 1500 جندي مغربي يمشطون «قندهار»
- إصدار جديد لـ«قناص السجون»
- حرب مفتوحة بين أرباب المقاهي والسلطات بالمغرب عنوا...
- المغاربة... وموسم الهجرة إلى اليونان
- حملة نسائية ضد 'سلطان التبرج' في المغرب
- استنساخ دعوات العشاء الملكي بعشرة دراهم
- سميرة في الضيعة
- بلجيكا تقطع تعاونها الأمني مع «لادجيد»
- الحركة الأمازيغية... حالة حرب معلنة!
- عيشة قنديشة
- الصمت أكبر محرض على ارتفاع جرائم الاعتداء الجنسي ع...
- أمريكا تطلب من دول الخليج مساعدة بقيمة 290 مليار د...
- هل يوجد أحد في الطائرة؟
- " غوانتاناموات " المغـــــرب!
- سيدات وسيدات
- كيف تمت سرقة المغرب؟
- الحـيـاة الـزوجـيـة دون وثـائـق
- مباراة ضد التاريخ
- إشاعة زواج محمد السادس من امرأة ثانية!
- رونالدو يقضي ليلة ماجنة في فاس ومنع مغربيات من مرا...
- هؤلاء الملكيون أكثر من الملك
- الإسبانيات يتمردن أحسن..
- هيفاء وهبي تفضل بابا نويل على الشيخ نصر الله
- طلب يد أميرة مغربية فأحيل للتحقيق واتهم بالجنون!
- من سيربح المليار ؟
- الكوكايين يعبر فوق الجسر المغربي إلى أوربا
- شبكات الدعارة تخفض سن ولوج المغربيات إلى سوق الرقي...
- ناشط أمازيغي مغربي يتزوج في كنيسة بولونية
- المغرب يقاضي القناة الفرنسية الخامسة
- نداء من أجل الحرية والكرامة
- فصل المقال في ما بين الهريف والتخريف من اتصال
- تقنيات التعذيب بالمغـرب
- مشروع قانون جديد لتجريم التحرش الجنسي في المغرب
- 50 فرنك ضد 600 مليون
- دروس من العالم الحر
- رسالة من حمار مغربي إلى حمار أوباماسعيد الشطبي«سيد...
- بمبلغ لا يتعدى 1300 درهم... طالبات يعشن الحرمان لم...
- رحمة الأب '.. تنقذ ابنته المغربية من الدعارة
- اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
- النشرات الجوية في المغرب تنتصر على نور ومهنّد
- كاريكاتير
- فضائح أخرى بسجن «أبو غريب» بفاسفاس ـ لحسن والنيعام...
- الأمن يقتحم نقابة ابن الصديق «بحثا» عن المعطلين
- الزبدة وثمنها
- :: بيوت كثير من المغاربة لا تصلح لممارسة الشعائر ا...
- حكاية لا تنـــــام
- غير بالعَـرْبيّة عافاكْ
-
▼
نوفمبر
(66)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق