الخميس، 6 نوفمبر 2008

النشرات الجوية في المغرب تنتصر على نور ومهنّد

عبد الله الدامون


المغاربة ينظرون إلى السماء هذه الأيام كما لم ينظروا إليها من قبل. إن مرور سحابة ولو عابرة تجعل قلوب الناس تدق. لم تعد السماء آمنة كما كانت من قبل، ولم يعد الناس يرجون مرور السحاب ويصلون صلاة الاستسقاء، بل إن الأيام التي كان فيها الناس يتجمعون في المساجد ويطلبون اللطيف عادت اليوم.
هناك مسألة أخرى وهي أن الناس أصبحوا مولعين بتتبع النشرات الجوية التي لم يكن يعبأ بها أحد. حاليا يجلس الناس على سعدهم ووعدهم أمام القنوات المغربية وينتظرون حتى نهاية الأخبار لكي يروا هل ستمطر السماء أم لا. لكن المشكلة الأساسية في هذه البلاد هي أن نشراتها الجوية هي الأكثر غموضا في العالم. الناس دائما يقولون إنهم لا يفهمون عبارة «بحر هائج إلى قليل الهيجان إلى كثير الهيجان وعلو الموج من متر إلى 5 أمتار».
في كل تلفزيونات العالم تعتبر النشرات الجوية بسيطة وسهلة وبها الكثير من التوضيحات عبر الصور. وفي تلفزيون المغرب الصور جامدة والعبارات غامضة مثل «الكتل الهوائية والضغط الجوي المرتفع والمنخفض». الناس يريدون فقط معرفة هل سيسقط المطر أم لا، وربات البيوت اللواتي يصبّن كل يوم يردن معرفة هل الرياح القوية ستطيّر التصبين من الحبل أم لا.
في شمال المغرب تعوّد الناس على تتبع النشرات الجوية في التلفزيون الإسباني لأنه أكثر بساطة وأكثر توضيحا. إن سقوط الأمطار في الجزيرة الخضراء يعني سقوطها في طنجة، وسقوطها في سبتة يعني أنها ستهطل في تطوان، وسقوطها في مليلية يعني أنها ستسقط في الناظور، وسقوط الثلج في جبال غرناطة يعني أن الناس في الشمال يجب أن يستعدوا للبرد.
وفي كل الأحوال، فإن عدد الذين يتابعون حاليا النشرات الجوية هو نفس عدد الناس الذين تتبعوا مسلسل نور، وإذا استمرت الفيضانات فإن كلمات مثل «سحاب» و«مطر» ستصبح أكثر شعبية من كلمة مهنّد.
من الآن فصاعدا على الجميع أن يتتبعوا نشرات الجو حتى لا تتكرر مآسيهم. مثلا في طنجة وفي يوم الخميس الأسود ظلت سيارة أموات أزيد من 4 ساعات تبحث عن طريق يوصلها إلى المقبرة وخلفها قافلة من السيارات، وفي النهاية تفرق المشيعون ووصلت السيارة وحيدة بالميت إلى المقبرة في الظلام.
وفي نفس المدينة، ركبت فتاتان في سيارة واحدة مع ميت كان في طريقه إلى مستودع الأموات، وركب الناس في طراكسات كما لو أنهم كومة من تراب، أما سائق سيارة مدرسية فكاد يصاب بالجنون لأنه كان يحمل 20 طفلا نحو المدرسة، ثم تقاطرت عليه المكالمات الهاتفية من كل جانب بعد بداية الأمطار الطوفانية، وكل أم تريد أن يعود بطفلها أولا إلى منزله مخافة الغرق. لقد قضى هذا الرجل أياما عصيبة في حياته ويقول إنه لن يفقد عقله أبدا ما دام لم يفقده ذلك اليوم. وفي الحسيمة والناظور ووجدة ومدن أخرى عاش الناس تجارب مرة مع الأمطار، وهؤلاء جميعا أصبحت النشرات الجوية بالنسبة إليهم أهم من كل مسلسلات العالم مجتمعة.
لكن مشكلة النشرة الجوية في المغرب أنها مازالت كما كانت، وليس هناك أي إبداع في عرضها. القنوات العربية والدولية جعلت من النشرات الجوية فرجة ممتعة وسهلة الفهم، وفي المغرب لاتزال النشرة الجوية تشبه امتحان الرياضيات أو درسا مملا في الفيزياء.
مسؤولو التلفزيون يعرفون تماما مشكلة النشرة الجوية من عهد عبد السلام شعشوع حتى زمن سميرة الفزازي، ثم توالت التغييرات لكن الوضع بقي على ما هو عليه. ما هو الحل إذن؟ الحل هو أن يعود عزيز الفاضلي الذي كان يبدأ بعبارة «سيادنا تبارك الله عليكم»، ثم يضحك الناس من طريقة تقديمه التي تشبه دور شارلي شابلن في فيلم «السيرك»، وفي النهاية لا أحد يعرف ما هي أحوال الجو بالضبط ويوكّلون أمرهم إلى الله. إن طريقته مناسبة جدا لهذه الأيام التي تغرق فيها البلاد في الماء والعبث. لقد كشفت الأمطار أن سيرك الواقع أكثر إثارة من سيرك الأفلام.

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية